من سنن الله عز وجل في هذا الكون الاختلاف, وهو أمر جعله الله تعالى سبباً في استمرار حركة الكون, وسنة الاختلاف أو التدافع سنة إيجابية إذا استطاع المختلفون توجيهها التوجيه السليم بحيث تكون هناك قواعد مرجعية يمكن الاحتكام إليها بعيداً عن الفوضى والغوغائية, وقد تواطأ البشر منذ بدأ الخليقة على نوعية من الأعراف كانت تحكم خلافاتهم ثم تحولت هذه الاعراف بمرور الزمن إلى قوانين استمدت قوتها من احترام الجميع لها ولا تزال بعض الشعوب البدائية والقبائل تحتكم في خلافاتها إلى الأعراف .. غير أن الأديان جاءت بعد تلك المرحلة البدائية لتطور هذه الأعراف أو تصلح منها بما يتناسب ومراد الله عز وجل من خلقه الخلق. وكان الدين الإسلامي الذي يعتبر المرحلة الأخيرة في التطور الإنساني المهتدي بهدي السماء .. جاء هذا الدين ليؤكد مسألة ضرورية وهي الاحتكام لتعاليمه التي لا يعفى من يخالفها من العقاب الدنيوي والجزاء الأخروي, بل إن الله تعالى نفى الإيمان عمن يرفض القبول بحكم الله تحت أي مبرر, قال تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً).. ويقول تعالى: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولو لا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلاً). ونحن في اليمن ولله الحمد – رغم الغمة التي نسأل الله عز وجل زوالها – لا يزال للعلماء دور كبير كمرجعية تحكم بحكم الله عز وجل وهم أولو الأمر المقصودون في الآية الكريمة وهم أهل الاستنباط والفقه وقد وردت “أولي الأمر” في القرآن ولم يرد “ولي الأمر” يصيغة المفرد حتى لا يستبد برأيه فرد سواء كان عالماً أو حاكماً وحتى يعلم أتباع هذا الدين أن الحكم شورى, ولله در شوقي أمير الشعراء حين قال: الدين يسر والخلافة بيعة والأمر شورى والحقوق قضاء فقد لخص الإسلام كله في هذا البيت. والآن ليس هناك عذر لمعتذر في عدم قبول مبادرة علماء الدين المشهود لهم بأنهم ليسو علماء سلطان أو شيطان, وعلى الجميع القبول بها فهم أهل الحل والعقد شرعاً ومخالفتهم ستكون وبالاً على الجميع ولن نيأس من أهل الحكمة ونسأله تعالى أن يهدي الجميع إلى الخير.