من منا لا يعرف الفيلسوف الإغريقي الشهير فيثاغورث صاحب نظرية مربع الوتر في المثلث القائم.. تلك النظرية التي هي اساس علم المثلثات في الرياضيات وهذا الفيلسوف عاش في القرن السادس قبل الميلاد قدّم فلسفته على ان الاعداد هي اساس الكون الذي يقوم على التناغم والتوافق بين تلك الأعداد فيرى ان الرقم عشرة يمثل الكمال والواقع ان فيثاغورث كان يقصد الاشكال وليس الارقام، فهو يرى ان الواحد يمثل بنقطة والاثنين بخط والثلاثة بمثلث..وهكذا وقد قاده هذه الاهتمام بالأعداد لاكتشاف النوتة الموسيقية المعروفة لدينا.. تقول القصة: إن فيثاغورث كان في يوم من الأيام ماراً بحانوت حداد، فاسترعت سمعه الفقرات الصوتية الخارجة من ضربات السندان، والتي بدت كأنها فقرات موسيقية منتظمة. ولما عرف أن المطارق ذات أوزان مختلفة استنتج من ذلك أن النغمات تتوقف على نسب عددية.فالمسافات بين النغمات الموسيقية المتوافقة تمثل دائماً نسباً عددية صحيحة وتقول إحدى التجارب القلائل التي سمعنا بها في علوم القدماء: إنه أتى بوترين متساويين في السمك وفي التوتر، وتبين له أنه إذا كان طول أحدهما ضعفي طول الآخر أخرجا إذا جذبهما نغمة من الدرجة الأولى؛ وإذا كان أحدهما قدر الآخر مرة ونصف مرة أخرجا خُمساً (دو - صول)؛ وإذا كان أحدهما قدر آخر مرة وثلث مرة، أخرجا رُبعاً (دو – فا)؛ وهكذا لكن لو أخذت طولاً من الوتر لا يمثل أي نسبة لرقم صحيح ستحصل على صوت نشاز ( غير متوافق) لأن التوافقات تعاود نفسها في دورة سباعية تمثل السلم الموسيقي المعروف لدينا ( دو- ري- مي – فا- صول – لا- سي). أصوات الخليل ان سوق الحدادين وصوت طرقات أدواتهم ألهمت علماً جديداً لعبقري آخر لكن هذه المرة من الشرق وتحديداً في القرن الثاني الهجري، انه العالم واللغوي المعروف الخليل بن احمد الفراهيدي صاحب معجم العين اول معجم في اللغة ، فالخليل المولود سنة مائه هجرية هو أستاذ سيبويه صاحب كتاب «الكتاب» اشهر كتب النحو قاطبة.. فالفراهيدي لمّا ذهب إلى مكة تعلّق بأسوار البيت وسأل الله ان يلهمه علماً جديداً فلما كان في سوق الحدادين بعد ذلك لفت اهتمامه أصوات طرقاتهم وقيل من اصوات اخفاف الابل ليستلهم من هذا كله التفاعيل المشهورة لأبحر الشعر العربي والتي نظم على أوزانها الشعراء العرب السابقون بسليقتهم العربية لكن الخليل قعّد لهذا العلم الذي سمي بعلم العَرُوض وقد اختلف لماذا سمي بهذا الاسم فمن قائل: تيمناً بمكة التي ألهم الخليل فيها هذا العلم فهو من أسمائها ، ومن قال: سمي وسط البيت من الشعر عروضاً لأن العروض وسط البيت من البناء كما مر في قول الزجاج ، والبيت من الشعر مبني في اللقط على بناء البيت المسكون للعرب . لكن التعريف جاء في قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع اعاريض وهو فواصل الإنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز).