لم يبق أحد من المجتمع الدولي لم يحذر القوى السياسية في اليمن من مغبة التصعيد, ويدعوها إلى العودة لطاولة الحوار, ويحث المعارضة على التعاطي بإيجابية مع مبادرة الرئيس علي عبدالله صالح, حتى السيد (بان كي مون) الأمين العام للأمم المتحدة انضم إلى الأمريكان والأوروبيين في مناشداتهم - شبه اليومية - الأقطاب السياسية اليمنية بضبط النفس والتحاور. إن كثافة البيانات والضغوط الخارجية على اليمن تؤكد أن المجتمع الدولي أصبح يرى على الساحة اليمنية ما يريبه جداً ومالا تراه بعض الأطراف السياسية اليمنية التي تستخف بكل مبادرات حل الأزمة وتمضي في مشروع تثوير الشارع, وتعطيل مؤسسات الدولة, وإصابة الحياة اليمنية بشلل كامل من خلال دعوتها إلى العصيان المدني. لعل ما أصبح المجتمع الدولي يراه هو أن تنظيم القاعدة الذي كان عندما ينفذ عملية إرهابية في اليمن تقطع الفضائيات برامجها لتبث الحدث في خبر عاجل لم يعد أحد يأبه لذكره وإحصاء ضحاياه, لأن العمليات الإرهابية أصبحت وجبة يومية تتجرعها اليمن على مضض بعيداً عن أضواء منابر الإعلام المهووسة بثورات الشارع العربي.. فمنذ أسبوع تقريباً وخلايا القاعدة لا تترك يوماً يمر دون أن تهاجم دورية أمنية وتقتل أفرادها, أو تغتال ضابطاً كبيراً. تلك المجازر التي ترتكبها القاعدة هي ما لم يره المعارضون لانشغالهم بتطورات ثورات الشارع العربي, وحساب المسافات التي بلغتها خيام المعتصمين, وهو ما ضاعف قلق المجتمع الدولي الذي يعرف جيداً أن من فجّر أبراج نيويورك ومانهاتن هو القاعدة, وأن المعتقلين في غوانتنامو هم عناصر القاعدة المتورطين, وأن المفخخات التي تنفجر في أسواق افغانستان وباكستان والعراق ومعارك الصومال كلها تنفذها القاعدة, وهي -أي القاعدة- ليست وهما أو (شماعة) محلية يعلّق عليها رئيس اليمن آمال إفشال التظاهرات كما يقول قادة أحزاب اللقاء المشترك, فهناك أسماء وصور معلنة لعناصر التنظيم في اليمن إن لم تقتنع بها المعارضة عليها أن تذهب إلى أبين وحضرموت ومأرب, فهناك جثث ضحايا توارى التراب يومياً بعد أن اغتالتها يد الإرهاب. كما أن المجتمع الدولي أصبح يرى في عدن مالا تراه بعض قوى المعارضة, أصبح يرى مليشيات مسلحة تقتحم يومياً منشأة حكومية أو مؤسسة خدمية وتعيث فيها تخريباً ولا تخرج منها إلا بعد إضرام النيران في كل ركن منها, ويرى مجاميع مسلحة ترتقي بأسلوبها إلى مستوى التنظيمات الإرهابية قامت أمس الأحد باقتحام مسلّح لمركز شرطة دار سعد, ونهبت كل محتوياته وأشعلت النيران فيه, وأحرقت أيضاً طقمين وهي متنكرة بملابس عسكرية - على غرار ما تفعله القاعدة - ثم صارت تقطع الطرق وتفتش السيارات وتنهب المواطنين وتعيث في البلاد فساداً, وإذا بالمجتمع الدولي يتفاجأ بصحف ومواقع المعارضة وهي تحدث الناس عن متظاهرين سلميين غاضبين وليس عن مليشيات مسلحة تتنكر بملابس الأجهزة الأمنية وتقتحم مراكز الشرطة بهدف إحداث فراغ أمني يطلق عنان الجماعات الإرهابية. ما أصبح المجتمع الدولي يراه هو ما رأته منظمة الطفولة العالمية (اليونسيف) من تهديدات بإحراق المدارس وتصفية مدرائها إن لم تخرج طلابها ومعلميها للتظاهرات.. فأصدرت (اليونسيف) بياناً أدانت هذه الممارسات وحذّرت قوى المعارضة منها. وقد رأى المجتمع الدولي أيضاً كيف انتهكت حقوق مئات العوائل اليمنية بالأحياء المجاورة لجامعة صنعاء, وحاصرها المعتصمون من جميع الجهات وجعلوا أزقة هذه الحارات مكاناً لقضاء الحاجة أو للنوم, فحرمت مئات الطالبات من مدارسهن وجامعاتهن وانقطعت مئات الموظفات عن وظائفهن, فيما تعرّضت عدة نساء لنزيف ومضاعفات وهن يحاولن الإنجاب دون مساعدة طبية أو قابلة, وظلّت هذه العوائل تقاسي الأمرّين وتعجز عن الحصول على محل لبيع الخبز.. وهو ما تفجّر لاحقاً باشتباكات مع المعتصمين. اليوم مشكلة اليمن ليست في أن تكون مع النظام أو ضده, فتلك حريات مكفولة للجميع, ولكن كيف تمارس حقوقك الدستورية دون انتهاك حقوق الآخرين, ودون تعريض بلدك إلى التخريب المؤسسي والتدمير, أو تعرّض شعبك إلى خطر الموت بمخالب الإرهاب!.