ضحكت حتى الثمالة وأن أقرأ بيانات نقابتي الأطباء والمعلمين التي تدعو كوادرها إلى الإضراب الشامل والتوقف عن العمل في جميع المرافق الصحية والتربوية الحكومية في محافظة تعز، حتى تستجيب الحكومة للمطالب التي تضمنتها تلك البيانات.. البيانات التي تفوح من بين سطورها رائحة السياسة، وأن الهدف من هذا الإضراب سياسي بالدرجة الأولى، وإن تدثر بالمطالب والحقوق النقابية.. واختيار هذا التوقيت تزامناً مع الاعتصامات التي تشهدها الساحة اليمنية يكشف بجلاء أن القائمين على رأس تلك النقابات هم سياسيون أكثر من كونهم نقابيين، وأن الغلبة للسياسة وقدموا مصالح أحزابهم على حياة مرضاهم ومستقبل طلابهم، وعلى مصالح المتحدثين بأسمائهم والمنادين بحقوقهم. وما دفعني للضحك أن هذه البيانات لم تأت بجديد، لأن من يعرف واقع حال الصحة والتعليم في بلادي اليمن وفي تعز على وجه الخصوص سيدرك الحقيقة المرة التي نعانيها كمواطنين منذ سنوات، وهي أن حضور معظم الأطباء والمعلمين وغيابهم سواء ولافرق أبداً وربما يكون غيابهم أرحم وأفضل ألف مرة من حضورهم. ولست هنا ضد المطالبة بالحقوق المشروعة ,كما أنني لا أقف إلى جانب الحكومة، كما قد يفهم البعض كماجرت العادة من خلال التعليقات على ماأكتب ,ولكنني أذكّر بوضع معاش، فنحن كمواطنين نعتبر الكثير من الأطباء والعاملين الصحيين في المستشفيات والمرافق الصحية الحكومية مضربين على مدار العام، ولافرق عندنا أبداً إن كان غيابهم بسبب إضراب أو لأية أسباب أخرى , لأن هذا ليس بجديد ولا غريب، وجميعنا يعرف أن الدوام لمعظم الأطباء لايتجاوز الساعتين في اليوم في أحسن الظروف، لأنهم مرتبطون بالعمل في عيادات ومستشفيات خاصة، وحضورهم مجرد إسقاط فرص ليس إلا، ومن حقنا كمواطنين أن نسأل: أين نقابة الأطباء من الأخطاء الطبية القاتلة والمتكررة التي يرتكبها أعضاؤها لقلة خبرتهم حيناً، وإهمالهم واستهتارهم بحياة مرضاهم أحياناً أخرى؟؟ وأين نقابة الأطباء من التقارير التشخيصية الخاطئة، وهي تعلم أن أعضاءها يعتمدون على التخمين لتشخيص المرض، أكثر من اعتمادهم على الخبرة والكفاءة العلمية , وما رأي النقابة في الابتزاز الذي يمارسه الأطباء على مرضاهم بعد أن حولوا مهنتهم من إنسانية إلى استثمارية؟! وأين النقابة من تلك الصفقات التي يعقدها أعضاؤها مع الشركات المستوردة للأدوية والصيدليات التي تبيع الأدوية المهربة والمقلدة والمزورة، ليقوموا بتصريفها عبر مرضاهم مقابل نسبة من المبيعات لكل رشتة علاج يدفع المريض ثمنها من حاله وصحته. أما المعلمون فلو أنصفنا أنفسنا فهم يتحملون الوزر الأكبر لما وصل إليه التعليم من تدن ,ونحملهم أيضاً مسئولية انتشار الفساد المالي والإداري الذي تعاني منه مؤسسات الدولة , فعلى أيديهم تتلمذ الكثير من الموظفين والمسئولين المتهمين بالفساد ونهب المال العام، ومن تحت أيديهم تخرج جيل فاقد لكل قيم الولاء والانتماء لهذا الوطن ,جيل كان حظه القليل من العلم والمعرفة والقليل من الوعي والثقافة والقليل القليل من الشعور بالمسئولية، جيل لايحمل في رأسه إلا فكرة واحدة تتمحور في كيفية الوصول إلى مايريد بأسرع وقت وبأقصر الطرق، فالوطن في نظره مجرد وظيفة . فهل المعلم يشرح الدرس لطلابه كما يجب، ويعطي بكل صدق وأمانة , وهل المعلم يعمل بضمير وصدق ويزرع في نفوس طلابه القيم والأخلاق والمبادئ، ومن الذي يساعد الطالب على الغش مقابل مبلغ مالي يجمع له داخل قاعة الاختبار؟ وهل المعلم يمثل القدوة الحسنة لطلابه ؟ ولماذا أصبحت العلاقة بين المعلم وطلابه والمدير والمدرسين علاقة حزبية قبل كل شيء. والسؤال أين نقابة المعلمين مما يرتكبه أعضاؤها في حق الوطن وأجيال المستقبل؟ ولو ربطنا بين مايحصل عليه الأطباء والمعلمون من رواتب وبين المردود الذي يعود على الوطن والمواطن، لاكتشفنا أن مايحصلون عليه أكثر بكثير مما يستفاد منهم. مع خالص اعتذاري وتقديري لأولئك النفر من الأطباء والمعلمين الذين يزرعون في نفوسنا الأمل ويشعروننا أن الدنيا مازالت بخير ,وأن بإمكاننا أن نصبح ذات يوم أهلاً لتحمل المسئولية تجاه الوطن ,فالحياة لاتثمر إلا بالعطاء ومن يزرع يحصد.. وكما تطالب النقابات بحقوق أعضائها عليها أيضاً أن تطالبهم بأداء واجبهم بكل إخلاص وأمانة.