يتضح الآن ومن خلال الأحداث المتسارعة أن الوطن بقرة حلوب, يطمع كل الناس أن تظل تحلب كل الوقت وعلى مدار الساعة والشهر والسنة, دون تقدير لفترة اللقاح والحمل وأي موانع أخرى! ثم إن هذه البقرة- في رأيهم- لاتحتاج طعاماً ولاشراباً ولاراحة, وإنما عليها أن تظل حلوباً, كحنفية المياه في بيوت الذين لايدفعون الفواتير. يا أيها الناس، لقد دعا سيدنا النبي ثمود عليه السلام قومه أن يشرب الناس حليب الناقة يوماً ولها شرب يوم معلوم, بمعنى أن يمتنع القوم عن شرب الماء يوماً لتشرب الناقة, وأن يشربوا حليبها هذا اليوم الذي لايشربون فيه الماء..رفض القوم هذا العرض فعقروا ناقتهم فأهلكهم الله بعذاب. ماحدث بالأمس القريب نوع من الجنون, لأنه تغييب للدولة, فكأن القوم بدون حاكمية, بدون عقل.. وغاب من هذه الضوضاء الذين يفترض فيهم أن يتدخلوا بحكمتهم ورأيهم وخبرتهم, ولكنهم ظلوا ينظرون متفرجين على الناقة التي لم يشبعوا من حليبها, ظل هؤلاء أيضاً ينتظرون دورهم لمزيد من الحليب ومص الضرع حتى ولو كان دماً. أين الحكماء، أين العقلاء, أين المفكرون، أين الورعون والزهاد، أين السياسيون أين المستقلون؟.. إن الناقة هي(المعقورة) وليس الثور هو المبطوح الذي تكالبت عليه السكاكين. أخشى أن يسحتكم الله بعذاب عاجل بدت نواجذه مكشرة أنيابها. المشكل الآن أنه لاوجود لطرف آخر يرضى أن يؤجل(حليبه) للغد ليشرب الماء اليوم, فالمسألة تتجاوز الشراهة إلى الجنون، فكيف تستوعب المعدة ماءً وحليباً بذات الوقت. لقد تركنا لكم الناقة ولكن(بنظام) وفروا لها الماء لتمنحكم الحليب، دعوها تسترح قليلاً.. أو فلتستريحوا أنتم قليلاً, ليكون للماء وللحليب طعم ومذاق.. ماأبشعه منظراً حين لايرحمون الناقة.