الوطن أغلى مانملك وهل نستطيع أن نفي بحق الوطن علينا مهما قدمنا له من تضحيات..؟ إن حقيقة مشاعرنا تجاه وطننا تظهر جلية وصادقة في الأوقات العصيبة والظروف الصعبة التي يمر بها الوطن إن سلباً أو إيجاباً فالأوفياء الصادقون في محبتهم للوطن تتجلى مواقفهم الوطنية الصامدة في خنادق تغليب مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، والذين هم من ذوي النفوس الضعيفة تفضحهم المواقف الصعبة التي يتعرض لها الوطن فسرعان مايتساقطون زمراً وتفوح روائح مواقفهم المتعفنة التي تتخفى تحت أكوام من ركام أحقادهم وكراهيتهم للوطن خدمة لمصالحهم الفردية الضيقة.. وبين هذه المشاعر وتلك يفلح الانتماء الصادق للوطن؛ ويخسر ماعداه الرهان إن عاجلاً أو آجلاً واليمن وطننا الغالي على كل نفوس أبنائه الأوفياء يعيش هذه الأيام أصعب المحن التي مرت به عبر تاريخه المعاصر.. وإنها لأشد المراحل خطراً عليه أرضاً وإنساناً وحياة حاضراً ومستقبلاً.. لأن الأحداث التي يشهدها اليوم ليست مما اعتدنا على تجاربها مراراً ولكنها من نوع جديد لايقبل سوى أن نحسم أمورنا عامة في الاختيار الفصل بين:أن نكون مع الوطن أو لانكون بمعنى أوضح: أن نكون مع الوطن أو ضده.. والأسباب واضحة تماماً.. أهمها: أن رياح التغيير التي هبت عواصفها على وطننا العربي من الماء إلى الماء قد اختلطت بها رياح السموم التي تبذل قصارى جهودها وإمكاناتها في أن تمضي بمواكب التغيير الحقيقي المنشود إلى غير غاياته النبيلة والمتحضرة والمشروعة ليس لشيء سوى إشباع غرائز فيها تقف على النقيض مع كل ماهو خير وحق وجميل خدمة لمخطط عدائي مستورد هدفه العبث بكل مقدرات أمتنا العربية والإسلامية /عقولاً وحقولاً وحياة آمنة مستقرة.. وبلادنا وللأسف الشديد في مقدمة القائمة المستهدفة لخلق هذا العبث الفوضوي فيها وصولاً بها إلى التمزق والتقاتل والضعف المشين،وليس أدل على ذلك من الفتنة المشتعلة رحاها والتي تدعمها وبكل وضوح حملات إعلامية كبرى عبر وسائل إعلامية محلية وعربية ودولية رصد لها الدعم المادي والمعنوي الكبيران لصناعة أحداث الفتن ثم تسويقها وتحليلها عبر أكاديميين ومفكرين استوطنوا هذه الأيام استوديوهات التحليل في كثير من مقرات القنوات الفضائية العربية والمحلية التي ضربت عرض الحائط بكل قضايا الأمة العربية المصيرية مع العدو الصهيوني أو غيره لتتفرغ تماماً لإشعال نيران الفتنة داخل مجتمعاتنا العربية واليمني منها على وجه الخصوص وليس لهذه القنوات الفضائية أدنى شعور بالخجل وهي تستخدم وسائلها القذرة وأكاذيبها البشعة لتضليل الرأي العام .. وكيف يكون لديها مثل هذا الشعور وهي التي جعلت من رسالتها الإعلامية الأمينة وشرف مهنتها الإعلامية مستنقعاً يتمرغ في قذاراته كل المتوحلين؟ أعود فأقول: إن بلادنا اليمن العزيز من ضمن البلدان العربية التي تشهد اليوم صخب التغيير الذي نادى به شباب الوطن بأساليبهم الواعية والمتحضرة والمشروعة وتمترسوا في مخيمات الاعتصامات المقامة في ساحات التغيير من أجل تنفيذ أهدافهم المشروعة.. فهل كان للشباب ما أرادوه؟ نعم ولقد كان لهم ما أرادوه من قبل السلطة، إذ استطاعت ثورة التغيير الشبابية أن تصل بصوتها إلى كل المسامع بل استطاع الشباب أن يصنعوا إشراقة جديدة في كتاب الوطن المعاصر خاصة وأن أهدافهم الكبرى قد استوعبت كل آمال وطموحات الشعب في القضاء على الفساد والمفسدين والعمل على تلبية المطالب الخاصة بالوظيفة وتحسين مدخول الموظف والحد من غلاء الأسعار وخلق حالة من العدل والمساواة وإزالة كافة صور المحسوبية والمناطقية وتفعيل قانون الثواب والعقاب... إلخ مروراً بموكب التغيير الشبابي إلى أعلى درجات النجاح من خلال الموقف الصادق والمسئول من قبل فخامة الأخ رئيس الجمهورية والمتمثل في دعوة الشباب لتشكيل أنفسهم في تكوين حزبي خاص بهم ليكون الأنموذج النقي وغير الملوث لاستلام السلطة.. وهنا نقف بكل إجلال وإكبار لهذا الشباب اليمني الذي استطاع أن يمارس حقه المشروع في التعبير عن مطالبه خاصة ومطالب الشعب عامة وأن يجد بفعل إرادته الشبابية آذاناً صاغية لمجمل آماله وطموحاته في التغيير الإيجابي وبما يحقق سلامة وازدهار حاضر الوطن ومستقبله.. ولكن كم هي المرارة التي شرب الشباب من كأسها أو هكذا يبدون ونحن نرى المتطفلين على ثورتهم من ركبوا موجة التغيير الذي رفع الشباب لواءه في ساحات الاعتصام ليصنعوا من أنفسهم أبطال المرحلة ويسيئون وبكل أسف إلى الشباب وثورتهم المعلنة في وجه الحاضر الكائن وصولاً به إلى ماينبغي عليه أن يكون في المستقبل.. وليس من باب المبالغة القول: أن نؤكد وبكل حزن مدى شعورنا بالإحباط ونحن نرى شبابنا أصحاب الحق الأوحد في قيادة ثورة التغيير وقد سحب البساط من تحت أقدامهم المتنفذون اليوم على ساحات الاعتصام من ذلك الخليط الذي شوه الصورة الوطنية النقية للشباب وهجم على كل مظاهر الحلم الشبابي المتوقد ليطفئ وهج الثورة بل أطفأه وصنع من جموع الشباب مطية للوصول إلى غايات بعيدة كل البعد عن التغيير المبتغى في شكله ومضمونه السلمي والأمين والحريص على أمن وسلامة الوطن والمواطن وكل منجزات الثورة والوحدة اليمنية.. نعم لقد اختلط بأوساط الشباب الحابل بالنابل وكل من له ثأر مع السلطة والنظام والقانون والوحدة جاء ليحمل لواء التغيير ويزاحم الشباب على ريادة الصف الأول في الموكب الوطني الشريف.. والأدهى والأمر من ذلك كله أن الفساد - وكثيراً جداً من وجوهه البارزة التي عانى منهم الوطن سنوات طوال - قد أتى وأتوا معه فرادى وجماعات وكأنهم بذلك يسخرون من وعي الشباب أو يضحكون عليهم.. وإلا كيف يسمحون لأنفسهم بسرقة ثورة الشباب وهم في الأصل من أهم مفاصل الفساد العام الذي يؤرق الوطن؟ والسؤال الذي يطرح نفسه هو: إلى أي مدى سوف يظل شباب التغيير يسمحون للمتطفلين حولهم بالسيطرة على إرادتهم التي يجب أن يكون لها السيادة في قيادة ثورة التغيير وفق أجندتهم الخاصة وبما لايتعارض مع المصلحة العليا للوطن؟ إن يوم عرس الانتماء الحقيقي لليمن هو اليوم الذي يتحقق فيه التغيير السلمي الشرعي بعيداً عن فوضى الإملاءات المغرضة التي تهدف إلى تصفية حساباتها مع الوطن من وحدته ومنجزاته وأمنه واستقراره..إلخ فالشباب لا ولن يسمحوا لأدبيات التغيير المساس بالوحدة اليمنية أو إشعال الفتنة في أوساط المجتمع لأنهم يحبون وطنهم ويشعرون بكامل المسئوليات الملقاة على عاتقهم تجاه الحفاظ على اليمن.. من أجل ذلك فإن عدم إتاحة الفرصة لأعداء اليمن في تمرير مخططاتهم هو الموقف الذي يجب أن يسود.. وأن اليوم الحقيقي لنجاح ثورة التغيير الشبابي هو يوم العرس الحقيقي للانتماء للوطن.. فيا شبابنا في عموم ساحات التغيير.. حافظوا على وطنكم لأنه عنوان انتمائكم الصادق واحذروا من كل خائن دخيل عليكم لسرقة طموحاتكم حاضراً ومستقبلاً.. واعلموا أنه بكم أنتم فقط سوف يكون اليمن بلد الحكمة والإيمان، فإذا خارت قواكم فسوف يخسر الوطن.. واليمن أمانة في أعناق أبنائه الأوفياء والله مع الوطن..