اتصلت بي فتاة تحب أن تعرف المزيد عن الفلسفة, وتريد أن تبني نفسها معرفياً, فتعجبت ثلاث مرات كونها امرأة, وعهدي بالنساء أن اهتمامهن بالثياب والحُلي أكثر من عويص الفلسفة وإبهام المعرفة، وجل الهم والتفكير لا ينصب على هذه المواضيع الشائكة, وأعني بكلمة عهدي الثقافة المسيطرة وهذا عنصر قابل للتغير. والأمر الثاني أن الفتاة تدرس في حقل الدراسات الإسلامية، وعهدي أن الفتيات أو الشباب يبقون متحفظين في ميدان الدراسات الفلسفية خوفاً من زوابع الشكوك والمشاكل العقلية التي تثيرها الفلسفة، وهذا الأمر يعقب عليه نديم الجسر في كتابه “قصة الإيمان بين الفلسفة والعلم والقرآن” أن الفلسفة بحر ليست كالبحور يجد من هو على شاطئه الاضطراب والزيغ, ويجد من يغوص في عمقه الأمان والإيمان. وسقراط أستاذ الفلسفة الأول مات مسموماً بسبب إيمانه ودعوته إلى التوحيد في وجه تعدد الآلهة, فاتهم أنه يفسد عقل الشبيبة. وتعجبت ثالثاً من الفتاة كونها من بيئة محافظة ومتدينة جداً, وهذا أدخل في نفسي أملاً جديداً أن الأمة مقبلة على خير، ليس لأن فتياتها بدأن دراسة الفلسفة بل بثلاثة أسباب: حب المعرفة ولو كانت في أكثر المناطق خطراً مثل الفلسفة, وتشغيل العقل, وهو أساس الإيمان في التفكر في السموات والأرض وما خلق الله من شيء, وثالثاً محاولة مزج العلم بالإيمان. وهذا الموضوع أرّقني كثيراً منذ أربعين سنة فعشقت العلم وازددت فيه ومازلت وكتبت حتى الآن الكتب التالية في هذا الصدد لمن يريد الاطلاع: الطب محراب للإيمان في جزئين, والايدز طاعون العصر بحث من منظور أخلاقي واجتماعي, والعصر الجديد للطب من جراحة الجينات إلى الاستنساخ الإنساني, وحوار الطب والفلسفة في محاولة وعي الطب خارج المهنة. وقوانين التغيير في محاولة الإمساك بقوانين النفس والمجتمع وهي قضايا أولاها القرآن العناية الكبرى, والتقدم العلمي والإيمان, حيث قمت بمسح حوالي خمس عشرة حقلاً معرفياً علمياً جديداً وعلاقته بالإيمان, وما هو الإيمان تحديداً في مركب مكون من 11 كوكباً كما في قصة يوسف, لنصل في النهاية إلى إدراك أن التوحيد يدخل في صلب الحياة الإنسانية, وأنه أكبر من قضايا تيولوجية لفظية بل حياتية ميدانية وسياسية. والأنبياء - رضوان الله عليهم - كانوا علماء اجتماع ونفس من الطراز الأول الذي لا يقترب منهم أحد “فبهداهم اقتده”. والمهم فأنا أقول للأخت الفاضلة: حياك الله وبارك فيك وابدأ في الإمساك بكتب جميلة في الفلسفة مثل «قصة الفلسفة» لويل ديورانت, و«المنقذ من الضلال» للغزالي و«المقال على المنهج» لديكارت و«قصة الفلسفة والعلم والإيمان» لنديم الجسر و«الخواطر» لبسكال, فلسوف تكتشفين عالماً رائعاً منعشاً للروح، وليس هناك أبدع للروح من مزج الفلسفة مع العبادة والخلق بالفهم والوعي بالإخلاص. «واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم».