إذا كان أرنست همنجواي قد تخلد بعمله الإبداعي ورائعته الإبداعية الشهيرة رواية العجوز والبحر أو القصة الطويلة كما يطلق عليها النقاد وحاز عن طريق هذا العمل على جائزة نوبل للآداب مضافة إلى الصدى الكبير الذي مازال يترجرج في الذاكرة الإنسانية لما جاء في الرواية من وصف وتوصيف للكفاح السامي والنبيل بغية العيش بكرامة وحرية تهادى كل ذلك من خلال فحوى تلك العلاقة الحميمة والتآلف الفائر بين العجوز الصياد الكائن البشري والبحر الكائن الأسطوري وتتبدى من بين ثنايا الرواية حكاية العجوز بطل رواية همنجواي الذي احترمه قراصنة البحر ولم يفكروا بإيذائه مطلقاً ولم تأخذهم شرانيتهم للنيل منه أو لإزهاق روحه وهم القراصنة الذين عُرف عنهم قطع الطريق ونهب الأموال وسلب الناس ممتلكاتهم فوق عارضة البحر وما أود أن ألمح إليه هو أن التاريخ أتى بعجوز آخر ستتذكره كما حال عجوز رواية همنجواي والفرق فقط أن عجوز همنجواي أطل من بين الكلمات وجاء عبر الصيغة الإبداعية عن التراث الفكري بينما العجوز الذي أريد التحدث عنه فقد حضر من أمام بوابة ملعب مدينة الثورة الرياضية نقلته عدسة الكاميرا وعينها التي أبكت شعباً بكامله رجالاً ونساءً وأطفال, عجوز حاصره القهر من كل اتجاه وباغتته القسوة المفرطة لمجرد إنه يقول: ربي الله وممن؟؟ من شباب نزع الله الحياء من وجوههم والرحمة من قلوبهم والشفقة من مهجهم وقد أضحت حجاراً مشبوبةً بنار الحقد والكراهية والضغينة ولعابهم يسيل للقتل الذي لم يكن في يوم من الأيام من ثقافة شباب اليمن ولا من أخلاق شعبها ودون أدنى احترام أو مراعاة للشيخوخة والعجز والضعف والوهن الذي ألحقه الزمن بجسده المتهالك . عجوز الأربعاء شهد أجبن جريمة سجلها التاريخ ورصدتها مشاعر العامة بأسى وماذا يمكن أن يعلق كل من له لسان بليغ وطليق ومن له فاه سليط وما هو موقف آباء وأمهات الشباب الذين اقترفوا جرماً في حق الأبوة والكهولة على مرأى من العباد جهاراً نهاراً والعيب الأنكى والأشد هو التعذر القبيح والكاذب للأحزاب التي أطلقت اصواتها المسعورة والمفترسة بأن ذلك الكهل قتل ثلاثة أشخاص وهو ما يضعنا أمام مرحلة هامة من تاريخ اليمن السياسي تعتمد نظرية جوبيلز وزير دفاع هتلر القائل بالمثل : “أكذب واكذب واكذب حتى تصدق نفسك”. لم يدرك ولن يدرك هؤلاء الشباب أن عضلاتهم المفتولة كانت تتعرش في يوماً ما في جسد هذا المسن أيام شبابه واهترأت كسنة بشرية طبقاً لقوله تعالى: “ ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون “. لقد سارت قاماتهم السامقة غوام هش وسخام مرجف لسفالة تصرفهم وأفكارهم المتقزمة فمن سيرتضي بهم على رأس سلطة تحكم البلد وقد أطلقوا لميليشياتهم عنان قهر عجوز لا يملك الحيلة والقوة وإمكانات الدفاع عن نفسه . أجل لقد يئس هؤلاء من العبث بالطفولة واستخدامها في مآربهم السياسية فتدافعوا صوب الطاعنين في السن والشيوخ ومن كانت هذه عواقبهم فكيف سيقفون أمام الله في الآخرة وغريمهم بين يديه عجوز تم قتله لمجرد حمله لصورة رجل قضى نصف عمره في خدمة اليمنيين هذا ونحن نعلم أنهم عجزوا عن الوقوف في حضرة أمراء الخليج . ثم أنهم حملوا صورة جيفارا ذلك المناضل الثائر الإنسان الذي لا يشبههم في شيء ولم يعترض أحد لحملهم صوره رغم التناقض المريب ورغم الماضي الذي يحدَث عن معاداتهم لمن حمل صور لرموز ليست في نظرهم سوى إلحادية وشيوعية وذمية لكن الحاجات تبيح المحظورات ولزاماً أن يخفوا نبذ الشيوعية كما أن لا حاجة اليوم لها لقوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسولا وأولي الأمر منكم» إلا أن هذه الآية لا تتطابق حالياً وأهواءهم وسوف يستخدمونها ويدللون بها حين يصبح الحاكم منهم إن حدثت معجزة أوصلتهم إلى الحكم وهذا أمر مستبعد. وأما ذلك العجوز فقد سار عنواناً عريضاً لرواية همجية تتكون من كلمتين هما«العجوز والقهر» رواية حقيرة ألفها أعداء الله والوطن والإنسانية لتأخذ عليها الرمال المفردسة لأرض اليمن جائزة الخلود المستديم لأنصار الشرعية وحماة الوحدة ودعاة السلم والأمان والمحبة والوئام .