إذا كانت المبادرة الخليجية مؤامرة كما يصفها البعض الرافض لها فلماذا لم يقولوا ذلك من البداية؟ لماذا تحولت إلى مؤامرة وإلى فخ بعد أن ظهر الاختلاف على صيغة التوقيع ولم تكن كذلك من قبل؟ مؤامرة ضد من وممن؟ هذا هو السؤال المطلوب الإجابة عنه بصراحة ووضوح, ويكفي ماقد تم توجيهه من ألفاظ وبذاءات نحو الداخل وهو ماخلق شرخاً في العلاقات السياسية والاجتماعية سوف يحتاج للكثير من الوقت والجهد لمعالجة آثاره المدمرة التي لحقت بالنفوس بعدما تحولت الساحات الحزبية ووسائل إعلامها إلى أسواق للبذاءات والألفاظ السوقية والعداوات, وكل ذلك على حساب السلم الاجتماعي في الحاضر وفي المستقبل.. لأن المبادرة الخليجية جاءت لتحل مشكلة اليمن ولم تأتِ لتحل مشكلات الأحزاب لذلك رفضوها ويتهموها بالمؤامرة ويصفونها بأنها جاءت ميتة ويطالبون بدفنها.. قبل أيام قليلة كانوا يلقون باللائمة على الرئيس وحزبه أنهم لم يوقعوا عليها وتعالت أصواتهم مستنكرة عدم التوقيع رغم أن المشكلة لم تكن متعلقة بمضمون المبادرة بل ببروتوكولات التوقيع وبقضايا فنية في ذلك السياق, وهذا الكلام يناقض مواقفهم وقناعاتهم تجاه المبادرة, فإذا كانوا على ثقة من أن المبادرة الخليجية مؤامرة فليشكروا الطرف الذي يتهموه برفض التوقيع, فكيف يجتمع ذم المبادرة وذم من لم يوقع عليها؟ هذه مفارقات عجيبة, لكننا نقول: أن على الجميع أن يحذروا من إلقاء التهم جزافاً حتى على الحريصين على مصلحة اليمن وأهله, وعلى جميع الأطراف ألا يغلقوا آخر الأبواب الممكنة للخروج من هذه الأزمة التي أوشكت أن تتحول إلى معضلة كبرى ومن بعد ذلك سوف تنفتح أبواب الشر المظلم وأبواب الصراعات الدموية الكارثية ولن يجد أهل هذا البلد من يتوسط بينهم لفض الاشتباك.. نأمل ألا تؤثر قطر بانسحابها من المبادرة على قناعات أحد الأطراف وتقودهم خلفها للرفض القاطع للمبادرة إيذاناً بفتح باب الصراع المسلح وذهاب البلد نحو الهاوية السحيقة فكل شيء أصبح ممكناً والأوضاع تنذر بحمامات دماء وصراع طويل الأمد.. علينا أن نتجنب ردود الأفعال التي يترتب عليها اختناق الآفاق والإمساك بخيارات الحرب والدمار, وعلينا أن ندرك أن الأشقاء في الخليج العربي والعربية السعودية تحديداً يهمهم كثيراً مستقبل هذا البلد, ومن المفترض أنه يهمنا أكثر.. لانريد أن نصدر خلافاتنا إلى الخارج وإلى دول الجوار تحديداً, ولانريد عداوات مع الأشقاء الحريصين على بلادنا..علينا أن ندرك أن المرحلة القادمة لو مرت الأمور بسلام سوف تكون ثقيلة الأحمال سياسياً واقتصادياً وأؤكد على الأخيرة, وبالتالي علينا وعلى الذين يريدون السلطة في المرحلة القادمة ألا يخسروا دول الجوار نتيجة ردود الأفعال المستعجلة, وفي ذات الوقت لو سلكت الأوضاع مسلكاً خاطئاً ووصلنا- لاقدر الله- إلى دائرة الصراع والعنف, فسوف تغرق البلاد في دماء أبنائها, وستغرق اقتصادياً لدرجة تجعل من المستحيل على أي طرف أن يحكمها.. لايمكن أن تستقر الأوضاع أمنياً واقتصادياً بأوهام الواهمين وبطموح الطامحين بغير علم وإدراك لما يمكن أن تؤول إليه الأمور لو خرجت عن السيطرة والأوضاع مثقلة بأسباب الانفجار, ولا أبالغ إن قلت: إنها- الأوضاع- على صفيح ساخن ويكفي مافيه من حرارة لحدوث كارثة فليحذر الجميع..