يبدو أن مصطلح الطاغوت الذي شاع لدى الزيديين المتعلمين ارتبط أساسًا بالعادات القبلية لا بممارسات الفلاحين أو التجار أو الصيادين فقد أشار حاييم حبشوش في أواخر القرن التاسع عشر إلى أن «الطاغوت» لم يكن سوى اسم للقانون القبلي وأكد ذلك أيضًا إدوارد جلاسر لكن من خلال دراسة مواد مخطوطة جُمعت في ثلاثينيات القرن العشرين توصّل روسي إلى أن ما سمّاه العلماء «حكم الطاغوت» يتطابق جزئيًا فقط مع القانون القبلي في الواقع يظل مدى تطابق التصوير الديني لهذا الحكم مع العرف القبلي غير واضح تمامًا لكن يمكننا القول إنه كان هناك بالفعل تقليد متماسك أو مجموعة تقاليد متميزة عن تلك الخاصة برجال الدين وتدّعي لنفسها شرعية بأسلوب مختلف رغم أنها كانت مثل التقليد الديني في طول عمرها وتداولها وتُظهر الوثائق المتاحة التي تمثل ما يُسمى بالقانون القبلي هذا التقليد بشكل جيد إذ أن أقدمها يدّعي أنه يعود إلى نحو عام 1763 ميلادي حتى الشريعة الإسلامية نفسها كثيرًا ما يُتناولها بعض الكتّاب في شؤون الشرق الأوسط بشيء من التبسيط أو الاستخفاف . على سبيل المثال كثيرًا ما تتهم التقاليد الفقهية في الإسلام بأنها تحرم النساء من الميراث مع أن علماء الأنثروبولوجيا والمؤرخين يُدهشون من تكرار محاولات الناس تطبيق القواعد القرآنية في بيئات كان من السهل جدًا فيها التحايل عليها فلا نجد في هذا المجال ما يشبه الحيل القانونية التي ابتكرها التجار لتوفيق ظاهر القانون مع الممارسة ومن جهة أخرى تُعتبر العديد من العادات وخصوصًا تلك المتعلقة بالقرابة «إسلامية» في الوعي العام رغم افتقارها إلى أساس نصي واضح يتكرر هذا الخلط في كثير من السياقات ويعكس ما يشبه ضمانًا أخلاقيًا ويقينًا متوارثًا كان الفقه وهو جهد لاستخراج القانون من النصوص يُقدَّم أحيانًا بعبارات تندد بجهل العامة لكنه في الوقت نفسه كان منفتحًا موجزًا وخاضعًا للنقاش بين العلماء وقد صوّره بعض الفقهاء كبحر لا حدود له وفي النهاية الشريعة الإسلامية هي تصورٌ للمجتمع بأكمله موضوع دائم للجدل والصياغة من وجهة نظر محددة وربما كان العرف كذلك أيضًا على المستوى المحلي غير أن التشابهات العملية بين التقاليد الدينية والقانون العرفي ليست لغزًا كبيرًا .. كان العلماء يقرؤون أعمال بعضهم بعضًا ويسافرون لتعلُّمها من شيوخ آخرين وبالمثل الإسلام في هذا المعنى ليس شيئًا غامضًا أو غير مادي أكثر من الفيزياء أو الأحياء الحديثة بالمقابل يظل من الصعب تفسير الانتشار الجغرافي والاستمرارية التاريخية للقانون غير الرسمي (أو العرف) نظرًا لغياب مؤسسة واضحة ترعاه ويميل بعض من تبنوا رؤية تاريخية ميتافيزيقية إلى تجاهل هذه المشكلة ومع ذلك فإن تكرار العادات في العالم العربي لافت للنظر ففي المجتمعات التي توصف أحيانًا بأنها «قبلية» يكون نطاق هذا التكرار واسعًا جدًا يجد مثلًا المهتمون بالمناطق البربرية في المغرب الأقصى إحساسًا بالألفة عندما يقرؤون عن الريف العراقي العربي أو يشعر المهتمون بالعالم الرعوي في نجد أنهم ليسوا غرباء تمامًا أمام أوصاف مزارعي التلال في أفغانستان خاصة فيما يتعلق بقضايا مثل الحماية والتعويض وأنماط الاستيطان ، تتكرر أيضًا مبادئ التنظيم الاجتماعي أو بشكل أدق مبادئ تعريف الهوية على نطاق واسع يمكن للمرء حتى أن يتجاوز ما يسمى اليوم بالشرق الأوسط ليلاحظ أوجه الشبه بين القانون العرفي في الجماعات العربية وبين قوانين إنجلترا الأنجلوساكسونية أو نصوص القانون الأيرلندي القديم أو مدونات القانون الأيسلندي المبكر. تتكرر هنا مبادئ بنيوية معينة إلى حد لافت وفي الشرق الأوسط نجد أيضًا تكرارًا في المصطلحات والعبارات الرئيسية ذات المعاني المتقاربة، وراء هذه الظواهر تظهر أسئلة أعمق: لماذا ينتشر مثلًا استخدام مصطلح الناموس المشتق على الأرجح من الكلمة اليونانية الكلاسيكية nomos المعروفة لدى الفلاسفة للدلالة على نزاهة أخلاقية هشة ولماذا تتكرر فكرة «الحرمة» بمعناها العربي من شمال إفريقيا إلى أفغانستان باعتبارها ما يجب على الرجل حمايته من الآخرين إن تفاصيل هذا التكرار في العالم العربي مثيرة جدًا للاهتمام فحتى حسابات التعويض عن الجروح غالبًا ما تتبع قواعد متشابهة رسميًا مما قد يوحي بنموذج إسلامي مشترك لكن أشكال التعويض الرباعي عن أنواع أخرى من المظالم تذكّرنا بكتاب «سفر الخروج» التوراتي كما أن تشابهات طفيفة في الإجراءات والمصطلحات تصل شمال وجنوب شبه الجزيرة العربية بالمغرب العربي ثمة حاجة إلى مزيد من البحث لفهم أي من هذه الأنماط يمكن اعتباره جزءا من التقليد الإسلامي العظيم في العدالة وأي منها قد يشير إلى أصل مشترك مفقود ، ربما ارتبط بثقافات اخرى من خارج الجزيرة العربية، إن مجرد الاكتفاء في كل حالة بالقول إنه عرف أو عادة هو في الواقع هروب من مواجهة أسئلة كبرى.