والعالم يشهد تفكك وانهيار العديد من الإمبراطوريات والتكتلات الاقتصادية والسياسية وفي الوقت الذي يشهد العالم انقسام وتشظي الكثير من الدول تحت تأثير عوامل داخلية وخارجية ، في ظل هذه الظروف كان اليمانيون في جنوب غرب الجزيرة العربية بصدد صنع المعجزة وتحقيق الحلم الذي ظل يراودهم لسنوات طويلة وهو الوحدة الوطنية وإنهاء سنوات الهجر والقطيعة والانفصال بين أبناء الوطن الواحد الذين فرقتهم وحالت دون التقائهم حواجز وبراميل التشطير ، حيث كان أحفاد سبأ وحمير وأنصار الرسول الخاتم سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام على موعد مع حدث هو الأبرز في تاريخ اليمن الحديث وهو إعلان الوحدة الوطنية وقيام الجمهورية اليمنية ووضع نهاية أزليةً لماضي التشطير البغيض في صبيحة الثلاثاء 22مايو 1990م من هناك من بوابة اليمنالجنوبية وثغر اليمن الباسم رفع الرئيس علي عبدالله صالح علم الوحدة اليمنية معلناً للعالم أجمع ميلاد فجر جديد لليمن السعيد في رحاب دولة الوحدة هذا المشروع الوطني التاريخي الخالد الذي راهن الكثير على فشله ولكن مشيئة الله ومعها إرادة وعزيمة أبناء الشعب أفشلت رهاناتهم وتحقق الحلم الكبير وانتهى التشطير بلارجعة وصار لليمنيين دولة واحدة وراية واحدة ونشيداً واحداً وحقق اليمنيون في الشمال والجنوب أغلى أمنياتهم ، وتنفس الجميع الصعداء من تخوم صعدة في أقصى الشمال إلى أطراف حوف في أقصى الجنوب الشرقي ، لتمضي سفينة الوحدة متجاوزةً كل الزوابع والعواصف والأعاصير وهاهي اليوم تُبحر في عامها الحادي والعشرين بعد أن شهد الوطن خلالها تحولات مشهودة في مختلف المجالات عكست عظمة الوحدة وحجم التعطش الشعبي والجماهيري لجني ثمارها ومكاسبها الخالدة . وإننا اليوم ونحن نحتفل بهذه المناسبة الوطنية العظيمة في عيد ميلادها الحادي والعشرين فإننا نحتفل بالإنجازات التي تحققت في عهدها الميمون والنقلات النوعية التي أحدثتها في حياة اليمنيين والتي ماكان لها أن تتحقق في ظل النظام التشطيري البغيض الذي عاش خلاله اليمنيون حالة من البؤس والمعاناة والشقاء والتخلف ، أقول ذلك والجميع على علم بما كانت عليه الأوضاع في اليمن قبل الوحدة سواء في شمال الوطن أو جنوبه ، وعلى وجه الخصوص المحافظات الجنوبية التي أطبق الحصار عليها النظام الشمولي البائد الذي عمل على محاصرة أبناء الجنوب وحرمانهم من أبسط مقومات التطور والحياة الكريمة وسعى من أجل عزلهم عن التحولات الحضارية والتنموية التي يشهدها العالم رغم توفر الثروة والإمكانيات ولكنها للأسف كانت تستغل في أوجه لاتعود بالخير والنفع على أبناء الشعب ، استمعت إلى أحد الآباء ممن سنحت له فرصة زيارة جنوب الوطن قبل الوحدة والذي وصف لي حجم المعاناة التي كان يعاني منها أبناء جنوب الوطن وافتقار المنطقة لأبسط مقومات المعيشة الهانئة والكريمة وبدأ يُعدد لي ماكان موجود من مشاريع تنموية وخدمية والتي تٌعد بالأصابع ، وشرح لي معاناته عندما زار مدينة عدن في أواخر العام 1983م عندما وجد صعوبةً بالغة في الحصول على مطعم يستطيع من خلاله تناول وجبة الغداء مؤكداً أن الوضع الذي كان سائداً في تلك الفترة لايستطيع أن يصفه أو يُدركه إلا من عاش فيه وعاصره ، فهؤلاء على حد تعبيره هم من سيتحدثون بإنصاف عن التحولات التي شهدتها المناطق الجنوبية عموماً ومحافظة عدن على وجه الخصوص عقب إعلان الوحدة المباركة وحتى اليوم ، وهي تحولات لايُمكن إغفالها أو الاستهانة ً بها أو التقليل من حجمها لأنها حقائق ملموسة على أرض الواقع ومكاسب تنموية نفاخر بها اليوم على مستوى الوطن ويكفى أولئك المرضى والحاقدين والمأزومين تلكم الانطباعات الصادقة التي عبر عنها أبناء خليج المحبة والوفاء الذين وفدوا إلى مدينة عدن للمشاركة في دورة كأس الخليج العربي لكرة القدم في أعلى معدلات النجاح والتميز على مستوى دورات الخليج السابقة ، حيث عبروا عن دهشتهم وإعجابهم بالتحولات المبهرة التي شهدتها مدينة عدن في مجال البنية التحتية والقفزات الحضارية التي وصلت إليها والتي جعلت منها درة زاهية ينثال منها عبق التاريخ العريق الذي تختزله بين أذرعها ، وسحر الحاضر المفعم بالجمال الأخاذ والهواء العليل والموقع الجغرافي الأكثر سحراً وجمالاً ، هذه الانطباعات جاءت لترد على أولئك الارتداديين الذين مافتئوا يدعون المظلومية ويقللون من حجم التحولات التي شهدتها مدينة عدن ومعها كل المدن اليمنية في شمال الوطن أو في جنوبه ، وهي تحولات رائدة تعد ثمرة من ثمار الوحدة المباركة ومانزال نتطلع نحو المزيد من هذه الثمار في المستقبل ليعم خير الوحدة كل أرجاء الوطن في الريف والحضر والسهل والجبل والصحراء وفي الجزر وفي كل بقعة من بقاع وطننا الحبيب ، يمن الثاني والعشرين من مايو 1990م الذي يواجه اليوم تحديات عديدة بسبب غياب الحس والإنتماء الوطني وتحول بعض القوى السياسية الى معاول الهدم والتخريب والإساءة إلى كل ماهو جميل في وطننا الحبيب, وللأسف الشديد أن يأتي احتفالنا اليوم بهذا العيد الوطني الأغلى على قلوب كل اليمنيين الشرفاء في ظل اشتداد الأزمة السياسية التي يشهدها الوطن والتي تتجه نحو التصعيد والتأزم نتيجة تغليب بعض القوى السياسية لمصالحهم وأهدافهم السياسية والحزبية على المصالح والأهداف الوطنية السامية والنبيلة حيث كان المؤمل من القوى السياسية أن تجعل من هذه المناسبة فرصة لطي الخلافات وفتح صفحة جديدة على أساس التفاهم الوطني الجاد والمسؤول لما فيه مصلحة الوطن, وبما يكفل للبلاد الخروج من هذه الأزمة التي لم يسبق لليمن وأن مرت بها من قبل. - كنا نعوّل على العقلاء في السلطة والمعارضة والشباب في الساحات أن يحرصوا على الذهاب بالبلاد إلى شاطئ الأمان من خلال التدخل الجاد لإنفاذ المبادرة الخليجية ودخولها حيز التنفيذ وخصوصاً أن السواد الأعظم من أبناء الشعب وصلوا إلى حالة من القلق والتوتر جراء استمرار الأزمة السياسية وتداعياتها الاقتصادية والمعيشية والأمنية وغيرها, وبات الجميع يحلمون بموعد الخلاص من هذه الأوضاع وعودة الحياة إلى طبيعتها, وكلنا نؤمل أن نحتفل بهذه المناسبة ونحن أكثر تمسكاً بالقيم الوحدوية والوطنية, لكن مايؤلمني ومعي كل أبناء الوطن الغيورين على وطنهم ووحدتهم تلكم الممارسات الانفصالية القذرة التي تمارسها بعض العناصر الارتدادية التي تحاول إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء والعودة باليمن إلى ماقبل 22 مايو 1990م والمتمثلة في رفع الأعلام التشطيرية والترويج للشعارات الانفصالية والمناطقية. ولا أخفيكم إنني حزنت كثيراً وأنا أشاهد بعض الصور التي أرسلها لي عبر البريد الالكتروني أحد الزملاء المقيم بمدينة المكلا بمحافظة حضرموت والتي تضمنت لقطات لأعلام وشعارات انفصالية تعج بها الشوارع والأحياء لهذه المدينة الجميلة, مشاهد وصور توحي للناظر إليها وكأن المكلا تعيش في فترة ماقبل الوحدة المباركة, لاأعلم أين موقع السلطات المحلية والأمنية في المكلا من هذه المشاهد والممارسات التي لاتحتاج لبلاغات, هل من المعقول أن يتم عمل هذه الأعلام الانفصالية وطباعة العبارات والشعارات الشطرية والمناطقية دون أن تتدخل السلطات الرسمية ذات العلاقة لإلقاء القبض على هذه العناصر واتخاذ الإجراءات الرادعة في حقهم؟ باعتبار أن هذه الممارسات التي يقومون بها تسيء إلى المنجز الأغلى في تاريخنا الحديث وهو الوحدة اليمنية التي هي ملك لكل اليمنيين ولايوجد من يدّعي الوصاية عليها, فالشعب من أقصاه إلى أقصاه يرفض أي محاولة بائسة للعودة إلى ماقبل 22 مايو1990م مهما كانت المسوغات والمبررات ، فالوحدة تحققت لتبقى ولاعلاقة لها كمنجز تاريخي خالد بأي ممارسات خاطئةً ارتكبها الأفراد أو الجماعات ، فمثل هذه الممارسات مردودة على أصحابها وهي محط سخط واستهجان الشرفاء من أبناء الشعب ومن الظلم أن نُحمل الوحدة أخطاء هؤلاء ، فواجبنا جميعاً يُحتم علينا التصدي لهؤلاء وكشف ممارساتهم الافسادية لأن الوحدة قامت من أجل إقامة دولة النظام والقانون وتحقيق العدالة والإنصاف ولذا فإن علينا النضال من أجل ترسيخ ذلك دون أن نمس بالوحدة أو نتعرض إليها بالإساءة أو التآمر ، لأنها في الأول والأخير لم تقترف ذنباً أو ترتكب جريرة فهي نقية وصافية نقاء مياه قاع جهران الخصيب ، وعلينا أن نعي حجم التضحيات التي قدمت من أجل الحفاظ عليها وترسيخها ونعمل على التصدي لدعاة التشرذم والانفصال لأن هؤلاء يريدون دمار وهلاك اليمن واليمنيين . عاش الوطن واحداً موحداً ودامت أعياد الوطن وانتصارات الشعب ونسأل الله في هذا اليوم أن يحفظ علينا نعمة الوحدة والأمن والاستقرار ، ويكتب ليمننا الخروج من هذه الأزمة ، ونسأله الرحمة لشهداء الوحدة والثورة والجمهورية ممن قدموا أرواحهم من أجل اليمن ، وكل عام والوطن والشعب والوحدة المباركة بألف ألف خير ودامت علينا الأفراح والانتصارات الوطنية . [email protected]