منْ منَ اليمنيين لا يعرف جمعة رجب (شهر الله الحرام) , ومالها من مكانة عظيمة لديهم جميعا ؟ , الجواب بكل تأكيد أن الجميع يعرف ويعي أن في مثل هذا اليوم وقبل ما يزيد عن 1400 سنة هجرية دخل أجدادنا رحمة الله عليهم في دين الله أفواجا.. ولكن شتان ما بين أول جمعة رجبية لليمنيين وجمعة الثالث من يونيو 2011، ففي الأولى كان توحدهم على الحق، والآن توجهوا نحو الافتراق عنه، وذهب بعض العصاة إلى الخروج على ولي الأمر بل وتدبير اغتياله في بيت من بيوت الله بجامع النهدين في دار الرئاسة، في الجمعة الأولى سادوا العالم وأوصلوا الدين الحنيف إلى مختلف أصقاع العالم بحكمتهم وعلمهم وقوتهم وبنوا المساجد وشيدوها في كل مكان، وفي الأمس أضحى البعض يدكُ بيتا من بيوت الله ليخلق الفتنة بقتل ولي الأمر، لأنه وبكل بساطة ابتعد أولئك العصاة عن أول جمعة برجب شهدها اليمنيون وتخلوا عن قيمها ومُثُلها وتعاليمها . نحمد الله تعالى على سلامة فخامة الأخ الرئيس علي عبد الله صالح حفظه الله وعافاه من محاولة الاغتيال الجبانة، ونقول له: لك في خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشدين أسوة حسنة، فسيدنا عمر بن الخطاب وسيدنا علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما كانا شهيدي المحراب حين امتدت إليهما يد الخارجين عن ولي الأمر، وبسلاح الغدر قتلتهما، وهي نفس اليد الآثمة التي تجرأت على ولي أمرنا وكبار رجال الحكومة، وهم يؤدون صلاة الجمعة، وهتكت حرمة بيت الله (جامع النهدين) في أول يوم من الأشهر الحرم، وفي جمعة رجب التي دخل فيها اليمنيون الإسلام، ليدخل أولئك تاريخ الخزي والعار، ونترحم على من استشهدوا دفاعا عن لي الأمر , وعلى جميع من سقطوا في كافة الميادين من اجل هذا الوطن الغالي، ونسأل الله أن يمن بالشفاء العاجل على جميع المصابين أينما كانوا . على مدار الأشهر الأربعة التي مضت تفنن المعارضون مع المؤيدين على تسمية جُمعهم بشتى الأسماء، خصوصا تلك التي سمتها المعارضة بأسماء ما انزل الله بها من سلطان في حين كانت أسماء جُمع المؤيدين تنسجم مع تعاليم الدين الحنيف. إلا أننا لم نسمع من كلا الطرفين من ينادي بجمعة رجب لتكون جمعة الإخاء والاتفاق، فضاعت عظمة هذه الجمعة من جمعهم، لكنها باقية في نفوس الصالحين من عباد الله المنتشرين في ربوع اليمن الحبيب , والذين بفضلهم لن يذل الله هذا البلد السعيد أو يخزيه. دعونا نتذكر ما قاله المصطفى صلى الله عليه وسلم لسيدنا معاذ بن جبل حين بعثه لليمن، فمن الحديث الذي رواه ابن عمر :عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا معاذ انطلق فارحل راحلتك ثم أئتني أبعثك إلى اليمن . فانطلقت فرحلت راحلتي ثم جئت فوقفت بباب المسجد حتى أذنَ لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ بيدي ثم مضى معي، فقال : يا معاذ إني أوصيك بتقوى الله وصدق الحديث والوفاء بالعهد وأداء الأمانة وترك الخيانة ورحمة اليتيم وحفظ الجار وكظم الغيظ وخفض الجناح وبذل السلام ولين الكلام ولزوم الإيمان والتفقه في القرآن وحب الآخرة والجزع من الحساب وقصر الأمل وحسن العمل . وأنهاك أن تشتم مسلما أو تكذّب صادقا أو تصدق كاذبا أو تعصي إماما عادلا، يا معاذ اذكر الله عند كل حجر وشجر، وأحدث مع كل ذنب توبة، السر بالسر والعلانية بالعلانية ) . إن المتمعن في مضمون هذا الحديث الشريف عن الصادق المصدق الذي لا ينطق عن الهوى يجد أن محتواه واقع بنا اليوم في جمعة رجبنا هذه أي بعد ما يربو على 1400 سنة، فتقوى الله أصبحت شعارا نسمعه ولا نلمسه، وصدق الحديث اختفت ملامحه ،والوفاء بالعهد لم يعد له وجود، وضُيعَت الأمانة في معظم المرافق، وظهرت الخيانة حتى طالت الوطن بأسره، ولم نعد نرحم اليتيم ،ولا نحفظ للجار حقه بل أول من يضاع حقه هو الجار، في حين أن كظم الغيظ دفناه إلى جوار خفض الجناح وبذل السلام، ولين الكلام استبدلناه بسب ولي الأمر والتهكم عليه، فيما حسن العمل اقتصر على الفوضى ،والنهي عن شتم المسلم تطور إلى التحريض على قتله بل وصل لحد القتل ذاته، والإمام العادل تضاءل جوده، وفيما ذكرناه سالفا نستثني من رحم ربي ،لأن الخير في امة محمد باقٍ إلى قيام الساعة. فهل لنا في تذكر وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم للصحابيين الجليلين لحظة بعثهما إلى اليمن كما ورد في الصحيحين بقوله عليه الصلاة والسلام (يسرا ولا تعسر بشرا ولا تنفرا تطاوعا ولا تختلفا) أين نحن من هذه الوصية العظيمة ؟ ,بل وللأسف الشديد أصبحنا نعمل بعكسها فالعسر غلب على اليسر، والتنفير فاق التبشير، والطواعية أضحت عصياناً، والاختلاف أمسى هو السائد، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ستر العرش مسبول علينا وعين الله ناظرة إلينا بحول الله لا يقدر علينا. إذا شتان ما بين جمعتي رجب، ففي الأولى وقبل ما يزيد عن 1400 عام شيّد اليمنيون جامع الجند وبعده بما يساوي نفس الفترة تم الاعتداء على بيت من بيوت الله (جامع النهدين) فأين الجمعة الأخيرة من الجمعة الأولى، فإلى أين نحن ذاهبون وهل مازال لحقن الدماء وطاعة ولي الأمر من سبيل؟ . (*) باحث دكتوراه بالجزائر [email protected]