يوجد في الفضاء من أسرار الخلق ما يعجز عن تصوره عقل بشر، فمن كواكب من الجليد إلى بقعة ضوء لامعة من الغبار إلى مجرات محمومة التفاعل مع ما يمكن أن يحل ضيفاً عليها من نجوم أو كواكب لا تستطيع الصمود أمام سرعة احتراق تفوق قدرة الشمس بعشرات المرات وإلى تلك المسافات المهولة بين النجوم والكواكب والمجرات وحتى الكويكبات التي تشكلت من بقايا الصخور والمعادن التي تخلفت عن المراحل المبكرة لتكون الكواكب إلى كل ذلك الغموض والدهشة والجمال الذي يخفيه هذا العالم العلوي، وفي جسد الإنسان أيضاً تكمن أسرار غامضة ومدهشة وجميلة في نفس الوقت في مخيلته وأجهزته البيولوجية وقالبه الإنساني وأبعاد وجوده في هذه الحياة، وبقدر ما يخفي الفضاء من ثقوب سوداء أو دخانية أو ترابية يخفي جسد الإنسان مثل تلك الثقوب التي تتفجر كأمراض جسدية ونفسية وعقلية يمكن أن يُشفى منها الإنسان ويمكن أن لا يُشفى أبداً، تلك الثقوب السوداء هي من يحمل أجنة الرفض أو القبول، الاندفاع أو التروي، الهجوم الصريح أو المباغتة وكل تلك التكتيكات التي ينظمها العقل وتقودها الحواس صاغرة أمام الهيمنة البشرية الشرسة على الأرض وكل من يدب عليها، الروح النفخة الإلهية التي أعطت هذا المخلوق شرعية القول والعمل وفق ميزان الثواب والعقاب الذي ينتهي بجنة عرضها السماوات والأرض إلى نار لا يقل طولها وعرضها عن ذلك أيضاًَ.. تلك الروح تحمل ثقوباً سوداء في ظاهرها وباطنها هي من تفرز الإثم بكل أشكاله وألوانه التي يدركها البشر في بعضهم البعض أو التي لا يدرك وجودها إلاَّ هذا الخالق العليم بصنعته والمدرك لكوامن الخلل فيها، ولهذا تمرض الأرواح ويصيبها الإعياء، هي تشكو الحمى أحياناً، ويعتريها البرد أحياناً أخرى، هي بين زمهرير الخطايا وحممها تتنفس الموت كل يوم لكنها تسعف ذاتها من الانزلاق عبر دواء التوبة الذي يهب كريح طيبة قادمة من أقاصي الوجود في خلوة الإنسان بنفسه فائدة عظيمة لا يمكن تصورها لأن هذا الانفراد والتوحد في نفس الانسان وروحه وعقله من يظهر بوضوح تلك الثقوب السوداء في شخص الإنسان وروحه وعقله ومنطقه الذي يتحدث به متخفياً أمام الآخرين! إنه يحاول صنع هالة ملونة حوله شأنه شأن زُحل كوكب الهالات المغناطيسية الملونة وصاحب أكبر وأغرب شفق قطبي رصده مسبار الفضاء “كاسيني” وهو يدخل في مدار زُحل ويستقر على أحد أقماره، نعم يستطيع الإنسان أن يصنع حولهُ هالة تحميه من ردود أفعال الناس المفترضة لكن للبعض أشعة تحت الحمراء تنبعث من أرواحهم الشفافة ويستطيعون تمييز هؤلاء واكتشاف هالاتهم المزيفة، روح الإنسان فضاء أرضي تتصادم كويكباته، وتندثر أنجمه، وتتداخل مجراته لكنهُ لا يفقد مغنطته التي تبقيه دائم الدوران حول نفسه! وكما أن الخلية العصبية ليست خلية عادية بل هي معمل متطور لإنتاج وتخزين وإفراز والتخلص من المواد الكيمائية المطلوبة لتنظيم عملها فإن الروح كذلك معمل أكثر تعقيداً من المتناقضات والصفات التي تحمل بصمة الوراثة حيناً وبصمة المحيط الاجتماعي أحياناً كثيرة أضف إلى ذلك موجات الشر المنبعثة عن رفيق الدرب اللدود إبليس الذي ينجح أحياناً في توجيه الإنسان إلى الهاوية في تركيب الإنسان الجسمي والروحي.. مازال هناك الكثير من الأسرار الغامضة لأن العلم في النهاية يقتصر على اكتشاف الحقيقة وشرحها إلا أنه يعجز عن اختراعها وتوصيف دلالاتها ولهذا يمرض الإنسان ويخطئ ويتعثر ويموت ويفنى، إنه عاجز حتى عن فهم نفسه!. الأحلام التي نراها في النوم وتتكرر في اليقظة زاوية ضيقة من زوايا الثقب الأسود وعالم غريب تنفصل فيه الأجساد عن الأرواح حتى تصل الأرواح في نزهات خلوية إلى السماء مع خالقها وتبقى الأجساد مجرد كتلة جذبتها الأرض بقوة لكنها كتلة جميلة تموت موتة صغرى كل ليلة لتعود بعدها إلى الحياة من جديد وقد لا تعود.