الدنيا واسعة وجميلة إذا نظرنا إليها بعين الرضا والجمال, نعم هي كذلك إذا نظرنا إليها بهذا المنظور، وهي كئيبة ومتعبة ومضنية إذا نظرنا إليها كذلك, عند معايدتي لأقاربي وأصدقائي وتواصلي معهم سواء عبر الاتصال الهاتفي أو بالزيارة اكتشفت هذا الأمر، وقد يكون ليس بالجديد فعند سؤالي لكل من عايدته كيف عيدك؟ وجدت كل من تواصلت بهم على صنفين: الأول: إنسان متفائل وينظر إلى ما حوله بعين الرضا سواء كانت حالته ميسورة أم متعبة، فالحياة لديه مركب جميل يعبر به بحور السعادة يسابق الزمن للوصول إلى مستقبل مشرق له ولغيره. والثاني : إنسان متهالك دمره اليأس وسيطر عليه القنوط لبس نظارة سوداء وأبى أن يخلعها فيرى كل ما حوله أسود قاتماً ليملأ حياته وحياة من حوله بالإحباط وهذا الصنف يعيق نفسه ومجتمعه المحيط به من التقدم والرقي وكثيراً ما نجده في مجتمعنا. وهذا التفاؤل والتشاؤم بلاشك يؤثر في تشكيل سلوك الفرد، وعلاقاته الاجتماعية وصحته النفسية والبدنية، فالمتفائل يتوقع الخير والسرور والنجاح، وينجح في تحقيق التوافق النفسي والاجتماعي، وينظر إلى الحياة بمنظار ايجابي ويكون أكثر إشراقاً واستبشاراً بالمستقبل وبما حوله، ويتمتع بصحة نفسية وجسمية جيدة، بينما المتشائم يتوقع الشر والفشل وينظر إلى الحياة بمنظار سلبي، والطامة الكبرى هي تشاؤم الشباب لأنهم وليس غيرهم من يوكل إليهم بناء الأوطان والارتقاء بها، فنسبة أي تقدم يتحقق تتوقف على نسبة غلبة كل من الصنفين المذكورين آنفاً على الآخر. والإنسان يمتلك قوة عجيبة إذا جهلها عجز عن التحكم في ذاته وضاع في متاهات الحزن والألم فنراه حزيناً غير مبتهج أما من عرف مقدار هذه القوة فسيرسم دروباً تصل إلى المستحيل. إن المخترعين والعلماء الكبار لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا بالتفاؤل والابتعاد عن اليأس فبعضهم استمر في المحاولات لفترة غير بسيطة سنة أو سنتين أو خمس سنوات أو أكثر حتى نجحت اختراعاتهم فلو عرف اليأس طريقه إلى قلوبهم لما نجحوا ولما وصلوا إلى هذه المكانة التاريخية التي حظوا بها. لذا أكاد أجزم أن سبب تأخرنا عن ركب الحضارة هو الإحباط الذي أصاب شريحة كبيرة من شبابنا وما وصلت إليه اليوم بلادنا الحبيبة اليمن يكاد يكون نتيجة للتفكير السلبي الذي لا يستبشر بالخير. فلو نظر الجميع بعين الأمن والاستقرار لا بعين التخريب والدمار وإقلاق الآمنين.. وبعين الحب والإخاء والتسامح لا بعين البغض والكراهية.. وبعين المصداقية لا بعين الدجل والزيف والكذب.. وبعين الحرية لا بعين العبودية.. وبعين المستقبل المشرق الوضاء لا بعين الأمس المظلم لتغيرت أحوالنا إلى الأفضل ولحلت مشاكلنا ولبرز الشباب الطموح وقادوا مركب الوطن إلى بر الأمان. إذن فهي دعوة لك أيها الشاب انظر بعين النحلة التي لا ترى إلا كل جميل لتحط عليه ولا تنظر بعين الذبابة التي لا ترى إلا القاذورات والأوساخ لتحط عليها، وهي دعوة للتفاؤل فإذا طال الليل وازدادت ظلمته فاعلم أن الفجر قد اقترب. واختم مقالي بكلمات لأحد الحكماء حيث قال :“ إذا أغلق الشتاء أبواب بيتك، وحاصرتك تلال الجليد من كل مكان، فانتظر قدوم الربيع وافتح نوافذك لنسمات الهواء النقي، وانظر بعيداً فسوف ترى أسراب الطيور وقد عادت تغني، وسوف ترى الشمس وهي تلقي خيوطها الذهبية فوق أغصان الشجر لتصنع لك عمراً جديداً، وحلماً جديداً، وقلباً جديداً. لا تحاول أن تعيد حساب الأمس، وما خسرت فيه، فالعمر حينما تسقط أوراقه لن تعود مرة أخرى، ولكن مع كل ربيع جديد سوف تنبت أوراق أخرى، فانظر إلى الأوراق التي تغطي وجه السماء ودعك مما سقط على الأرض فقد صار جزءاً منها. إذا كان الأمس ضاع، فبين يديك اليوم، و إذا كان اليوم سوف يجمع أوراقه ويرحل فلديك الغد، لا تحزن على الأمس فهو لن يعود، و لا تأسف على اليوم فهو راحل، و احلم بشمس مضيئة في غد جميل”.