المشهد الإسلامي العربي التراحمي الرائع الذي قام به العلماء المسلمون ومحبو الخير والإصلاح في الأرض تجاه نكبة الجفاف التي يواجهها الصومال أثارت في أنفس الكثيرين مشاعر الألفة والتلاحم والإنسانية الحقة وألمحت في سياقها الروحي إلى ضرورة الوقوف صفاً واحداً أمام نكبات تصيب بنيان الجسد الإسلامي ولا يأبه لها أحد. هذا المشهد بكل تفاصيله أشعل في داخلي رغبة البوح بأمر قد تحدث به كثيرون ولفرط ما تحدثنا به اتهمنا البعض بمعاداة العلماء وتسفيه أدوارهم، وحاشا لله أن نكون كذلك، إنما تساءلت وأنا في غمرة الروحانية مما رأيت من أمر الصومال أن يكون للعلماء والفقهاء وأصحاب القلوب المبصرة بقوة يقينها بقدرة الله دور في إزالة هذه الغمة وتبديد آثار هذه الفتنة التي أصابت بلاد المسلمين فأوقعت العداوة بين الإخوة والبغضاء بين الأشقاء، ونسفت ما كان قد تبقى من أواصر الحب والألفة بين أفراد المجتمع، لأنها فتنة مزقت وشتتت وأظهرت كمائن الحقد والكراهية وكشرت عن أنياب عرقية انتقامية ليس لزخمها مبرر أبداً، لماذا لا يكون لهؤلاء العلماء تظاهرة دينية وطنية تهدف إلى توضيح رأي الشرع فيما يحدث في أوطاننا العربية والإسلامية وما قد يترتب على هذه الأحداث من نتائج غير مرضية لله أولاً ثم لأنفس الناس التي تتساقط كأوراق الخريف بلا قيمة ولا معنى..؟ لماذا لا تكون هناك هيئة منتخبة كبرى لجموع من العلماء والمفكرين وأصحاب الرأي السديد والمشورة الصادقة الذين يستطيعون قلب موازين الأحداث وتوضيح خفاياها وإظهارها كما هي ببشاعة تفاصيلها وحقارة سيناريوهاتها ودناءة خططها وأهدافها تجاه بلاد المسلمين؟! لماذا لا تكون لهذه الهيئة من العلماء رحلات تطهير روحانية لليمن وسوريا مثلاً؟! يجب أن يعلم علماء الأمة وفقهاؤها وعقلاؤها أن كثيرين ممن في ساحات الوطن العربي والإسلامي مغرر بهم وهم يجهلون حقيقة ما يحدث خلف كواليس السياسة، بل يجهلون تماماً أنهم مستخدمون كأداة للتخريب والتمزيق وصولاً إلى أهداف لا يعلمها إلا أصحابها ممن رضوا أن يكونوا وقوداً لنار الفتنة في بلاد المسلمين، فإن اختلفت الأحزاب والاتجاهات والرؤى يبقى الدين واحد وتبقى الملة ثابتة، ولن يصلح حال المسلمين اليوم إلا العودة إلى كتاب الله وسنة رسوله الكريم في الوقوف بثبات أمام مجريات الأحداث المتسارعة، والمتعثرة في نفس الوقت. العلماء نكهة الدين، ومذاق التشريع الذي نستطيع به تمييز الخبيث من الطيب والغث من السمين وبدون العلماء يبقى التشريع مجرد وثيقة محكمة الإغلاق، إن التنظير للاختلاف وإثارة الفرقة لن يوقف انتشاره إلا تنظير موازٍ للوحدة والالتحام وتعميق المقاصد السامية من وجود الإنسان ككائن موحّد وجد ليكون خليفة الله في الأرض. أتمنى أن يكون الاحتشاد القادم لهؤلاء العلماء خاص لبلاد المسلمين التي عبثت بها السياسة ومزق استقرارها الأحزاب،بلاد أذابت معالمها الجميلة نيران المصالح وشوهت تقاسيمها الرقيقة فيول الانتماءات ولم تشفع نية محبيها وعشاق تربتها في التخفيف من نازلة الفتن التي نخاف أن تقود الناس إلى الهاوية وهم يلهثون خلف مسميات لاوجود لها على أرض الواقع. أيها العلماء أنتم ورثة الأنبياء ونبراس السراط والشعاع الذي يبدد ظلمة الإنفاق، أنتم حملة الرسالة الخالدة التي مابرحت تعاليمها تتردد كوصفة دواء ناجع جيلاً بعد جيل،أنتم وقودنا الروحي وغذاؤنا الوجداني وفي أعناقكم أمانة النصيحة للمخطئ والتقويم لأصحاب الزلل والأخذ بأيدي المصيبين من أولياء الأمر،اليوم تحملنا الثقة بكم على أكف الأمل فاجتهدوا في إحقاق الحق لعل الله يجعل على أيديكم فرجاً قريباً لأزمة الفتنة التي تغشت مجمعاتنا وأردتها صريعة التبعية والانقياد،ربما أصابنا قحط سياسي وجفاف اجتماعي يزول إن استسقينا رحمات السماء التي تغسل الذمم وتطهر الهمم من كل غم وهم.