يوماً عن آخر تتكشف حقائق جديدة ومخيفة عما يجري في المنطقة العربية عموماً من سياسات خلط الأوراق تحت مسميات عدة ما أنزل الله بها من سلطان، وعلى ما يبدو فإن القوى التي تدفع بها وتساندها كانت تخطط لها منذ أمدٍ بعيد بهدف إشغال مجتمعاتنا بنفسها كي لا تفكر بقضاياها القومية والاستراتيجية، وتظل حبيسة الصراعات الداخلية المدمرة. وبعيداً عن التفاصيل التي بات الجميعُ على علمٍ واطلاع واسع بها، فإن جميع هذه المعطيات تشير إلى أن المنطقة العربية قادمة على مرحلة صعبة للغاية ما لم يتنبه لها أبناؤها نتيجة هذا التهور من قبل بعض القوى ومجاراتها لهذه المتغيرات دون دراسة مسبقة لمآلات ما سيترتب على ذلك من تداعيات خطيرة، المستفيد الأول منها إن لم يكن الوحيد هو أعداء هذه الأمة الذين عرفوا كيف يزرعون الخلافات فيما بين أبنائها، وإلاّ أين أضحت قضية فلسطين في خارطة اهتماماتنا بعد أن كانت تشكلُ الهمَّ الأول لكل مواطن عربي ومسلم؟ جميعُنا يطمحُ نحو تغيير حقيقي وسلمي يحفظ حقوقنا المادية والمعنوية ويصل بنا إلى شاطئ الأمان ويجعل كلَّ إنسانٍ منّا عضواً فاعلاً في مجتمعه، نحو تغييرٍ بنّاءٍ يحفظ نسيجنا الاجتماعي ويضمن المواطنة المتساوية والعدل والحرية والتنافس الديمقراطي والتبادل السلمي للسلطة، يقودنا نحو الأفضل وليس يقفز بنا نحو واقع يعود بنا إلى مراحل التناحر والصراع وعصور شريعة الغاب التي عفا عليها الزمن. حالةٌ من الحيرة والخوف والقلق على مستقبل أوطاننا وأجيالنا تخيّمُ على مجمل حياة كل إنسان وهو يشاهد المزيد من دماء أبناء شعبه تسفك والأرواح تزهق والمنازل والمنشآت العامة والخاصة تدمّر، وأصوات النيران تطغى على أصوات الوفاق والسلام، دون أن يلقى آذاناً صاغية لنداءات الحكمة ودعوات الوفاق، وكأنَّ أمراً قد دُبِّرَ بليل لهذه الشعوب التي ما تفتأ تخرج من محنة إلاّ وحيكت لها خيوط فتنة أخرى، بالإضافة إلى علو أصوات الباطل ورواج دعواتها بصورة تثيرُ القلق والشكوك من أن وراءها أيادي كبيرة عرفت كيف تصل إلى مبتغاها ومرادها بكل سهولة ويسر. لا أعتقد أن إنساناً عاقلاً يرضى بأية صورة من صور الظلم تقع على أخٍ له، وكذلك يقبل بتكميم الأفواه وتقييد الحريات أياً كان حجمها أو نوعها ومن أي طرف كان، وفي المقابل كيف لهذا الإنسان أن يرضى بتدمير البنية الأساسية لبلده وشق الصف الوطني بالصورة التي نراها، وارتفاع دعوات التمزق والتفرقة التي ينبري البعض لتقديمها بهذا الشكل المخيف، إلى جانب بث روح الحقد والكراهية وخلق الصراعات التي لن ينجو أحدٌ من تداعياتها؟ وهنا نكرّر ما نردده دائماً من إيماننا المطلق بأحقية كل حزب بالوصول إلى السلطة كما كفل ذلك الدستور والقوانين النافذة بالطرق السلمية والتنافس الإيجابي البناء بعيداً عما نراه من تنافر وتباعد وانزلاق نحو المجهول، وندعو فرقاء السياسة في السلطة والمعارضة أن يتقوا الله في هذا الوطن والشعب الذي ائتمنهم على قيادة سفينته إلى بر الأمان، وأن يتنازلوا لبعضهم بما يحفظ أمن الوطن ووحدته واستقراره بعيداً عن المكابرة أنه لا مهزوم ولا منتصر بين الإخوة، وأن يدركوا أنه يتسع للجميع مهما كانت خلافاتهم واختلافاتهم، وكذلك أن لا يصدقوا بعض القوى الخارجية ذات الأهداف البعيدة التي تسعى إلى خدمة مصالحها من خلال خلط الأوراق ودعم طرف ضد آخر بما يتماشى مع مخططاتها وأجندتها، لاسيما وأن هناك مؤشرات إيجابية نحو حلحلة الأزمة والاتفاق على ما تبقّى من بنود تتعلق بالآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية، كما أعلن ذلك الفريق الركن عبد ربه منصور هادي نائب رئيس الجمهورية خلال لقائه جمال بن عمر مبعوث الأممالمتحدة وسفراء الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، كما أدعوهم أن يسألوا أنفسهم هل من مستفيد من استمرار هذه الأزمة؟ والعاقبة للمتقين، وحفظ الله اليمن وشعبه من كل مكروه.