في الماضي كان العدل أساس الحكم، أما اليوم فإن القاعدة قد تغيرت وأصبح المال هو أساس الحكم.. ووفقاً لهذه القاعدة غير الشرعية يتعامل بعض قضاة المحاكم بمختلف درجاتها وبموجبها يقضون بين الناس بغير العدل وعلى أساسها يتم الفصل في قضايا المنازعات وتصدر الأحكام الشرعية والتي غالباً ماتكون مدفوعة الأجر مسبقاً.. ولهذا غالباً ماتكون الأحكام لصالح من يمتلك المال ولو كان على باطل وعلى حساب الحق وأصحابه الفقراء.. وبحسب العرف السائد والمعمول به في محاكمنا فإن على أصحاب الحق أن يشتروا حقهم من القاضي بكل مايملكون في جلسات المزاد التي يعقدها في قاعة المحكمة.. ولاأتجاوز الحقيقة حين أقول إننا لم نسمع ومنذ زمن طويل أن أحد القضاة قد صمد أمام المغريات المادية ولم يسقط في مستنقع الرشوة والفساد، وأنه انتصر لإرادته وضميره وعمل من أجل الحق والعدل وكانت أحكامه بموجب مالديه من مستندات وبراهين واضحة، ولم يحكم بموجب مادخل جيبه من أموال.. فالمال يلعب بحمران العيون ولو كانوا قضاة ورؤساء محاكم!! ولست أتجنى على أصحاب الفضيلة وأتعمد تشويه صورتهم وأتهمهم بالباطل دون بينة أو دليل يؤيد كلامي ويدعم حقيقة ماأقول, فأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين.. ولي العذر إن تكلمت بصيغة الجمع والتعميم لأن السيئة تعم، وماأكثر سيئات القضاء وأقل حسناته.. ومن ذاق الظلم من قاضٍ وعرف فساد بعض القضاة، فإنه يرى جميع قضاة المحاكم فاسدين وظلمة ولايحكمون بالعدل والحق، وإنما يحكمون بأهوائهم ومطامعهم وبقدر ماتدخل جيوبهم من أموال بطرق مباشرة أو عبر سماسرتهم من أمناء سر وكتّاب وموظفين ومرافقين ومحامين ومسؤولين ومشائخ أيضاً.. فالفساد منظومة متكاملة لها آلياتها ونظامها، ومن يعتقد أن القضاة يبنون أحكامهم على أساس التمييز بين الحق والباطل, العدل والظلم, الصدق والزيف فهو واهم، لأن هذه الأمور استثنائية ولم يعد يعمل بها أغلب قضاة المحاكم. ولو حصل وسمعت أخي المواطن أن أحد القضاة وفي تعز بالذات قد أنصف مظلوماً وحكم بالحق والعدل وانتصر لفقير من غني ومن قوي لضعيف وأنصف مواطناً بسيطآً من مسؤول نافذ, وانحاز بعدله للرعوي صاحب الحق ولم ينحز للشيخ لأنه على باطل، فاعلم أن هذا من النوع النادر وأن بقاءه لن يطول وسرعان ماسيتم نقله إلى أبعد محافظة، عقاباً له على عدالته، خصوصاً إذا كان أصحاب النفوذ من مشائخ ونافذين وتجار هم المتضررون من عدالة هذا القاضي وعجزوا عن ترويضه وشراء ذمته مثل غيره من القضاة الذين يسبّحون باسم مجموعة الفساد بكرة وعشياً.. أما إن استقر وطال به المقام وطاب عيشه فاعلم أن عدالته محدودة الصلاحية ومداها لايصل أبداً حد المساس بقدسية وحرمة ومصالح أباطرة المال وملوك الفساد، فالفساد المستشري في الجهاز القضائي حقيقة يؤكدها الواقع وتدعمها الأحكام غير العادلة وغير المنطقية أيضاً، كما حصل مع أحد المواطنين حين أصدرت محكمة استئناف تعز حرمانه من أرض تقدر بستين قصبة عشارية، فقط لأن سجل المحكمة رقم 30 لسنة 2000م الموثق فيه وثيقة شرائه مفقود.. بينما خصمه لايملك أي وثائق باستثناء المال والنفوذ.. قاضٍ آخر وفي تعز أيضاً يحكم بخلع زوجة دون أن يراها أو يسمع منها ولم تحضر للمحكمة نهائياً وربما هي لاتعلم إنها رفعت دعوة خلع عبر محامٍ أكد هو أيضاً أنه لايعرفها وكل تعامله مع أحد أقربائها.. أحكام عجيبة، غريبة، أبطالها قضاة أوكلت لهم مهمة القضاء بين الناس بالعدل وليس القضاء عليهم بالباطل.. وهو مايجعلنا بأمس الحاجة إلى إعادة النظر وتصحيح هذا الجهاز الهام إذا أردنا فعلاً ثورة تغيير حقيقية ودولة مدنية حديثة يستقيم فيها ميزان العدل ويسود القانون والنظام ويصبح العدل أساس الحكم وليس المال الذي سيبقى يلعب بحمران العيون ولو كانوا قضاة ورؤساء محاكم.