المتعارف عليه في كل الدنيا أن المحكمة بيت العدل وملاذ المتخاصمين الباحثين عن العدل والإنصاف وأن القاضي هو الشخص الذي يحكم بين المتخاصمين ويحل قضاياهم ويسوي خلافاتهم ويقيم العدل بينهم، فالقاضي يمثل يد العدالة وشوكة الميزان بين الخير والشر، العدل والظلم، وبعدله ينتصر أصحاب الحق ولو كانوا ضعفاء، ويخسر دعاة الباطل ولو كانوا أقوياء فالعدل أساس الحكم. ولكن ولأن قضاة محاكمنا على غير هذا النهج القويم الذي يفترض أن يكونوا عليه، أعود لأضع السؤال الذي اخترته عنواناً لمقالي هذا وهو: ما الذي سيحل بك وأنت المواطن الضعيف صاحب الحق لو كان غريمك وخصمك في ساحات القضاء احد أعضاء السلطة القضائية والذي يسمى بالقاضي؟؟ سؤال يصعب الإجابة عليه ولا يستطيع أحد منا نحن معشر المواطنين البسطاء ان يتخيل هول هذا البلاء العظيم يقع عليه في الدنيا والطامة الكبرى التي يمكن ان تحل به ولا نرى في هذا الا غضباً سماوياً يصيب به الله من يشاء من عباده بما كسبت أيديهم. ومن هنا يمكن القول إن من ابتلاه الله بغريم قاضٍ فإنه في العذاب مقيم مهما كانت قضيته عادلة وكان هو صاحب الحق الأول والأخير ولاخلاص له ولو شهد له من في الأرض أجمعون. فبمن يلوذ ليرفع عنه هذا البلاء؟؟ ومن ذا بمقدوره ان يحميه من ظلم وبطش وتعسف وألاعيب القاضي وزملاء وأصدقاء القاضي الذين لا سلطان لأحد عليهم ؟؟ فهو المتهم دون ذنب والمدان بلا جريمة، حقه الثابت باطل وباطل غريمه الغائب حق .. ولأنه لا مفر من قدر فإن الحاج صالح الحوباني عاش هذا الكابوس المرعب وذاق مرارة هذا الابتلاء ولازال يتجرع آلامه منذ سنوات، عرف لهول ما لاقاه كيف يكون حال المواطن البسيط المغلوب على أمره وقدر معاناته وحجم ألمه وقهره وذله وهوانه على الناس حين يبتليه الله ويسلط عليه خصماً ينازعه في حقه يسمى بالقاضي، القاضي الذي واجبه وعمله أن يقضي بين الناس بالعدل، لا أن يقضي عليهم بالباطل ويسلبهم حقوقهم وهم ينظرون، ومع كل هذه المعاناة لا يلوم الحاج صالح الحوباني إلا نفسه ويعتبر أن كل ما حل وسيحل به وبأسرته من عمل يده «ومن عمله بيده الله يزيده» وهي عبارة يكررها دائماً وهو يحكي مأساته التي بدأت يوم سولت له نفسه الأمارة بالسوء وباع جزءاً من أرضيته لأحد القضاة من أصحاب العمائم المستديرة ليجد نفسه غير قادر على التصرف ببقية الأرض المجاورة لمنزل القاضي ليصبح القاضي هو المالك المتصرف وكلما حاول الحاج صالح فتح نافذة في القضاء لإثبات ملكه وأحقيته بهذه الأرض وجد من خلفها قوماً لا يعرفون للحق طريقاً ولا يرون فيه إلا عدواً يجب محاربته، انتصاراً وعوناً لغريمه القاضي. قد يقول قائل: ليس كل القضاة سواسية، فهناك قضاة أتقياء عارفون بالله عاملون بتعاليمه يحكمون بالعدل ولا يخافون لومة لائم ولا يترددون في إنصاف صاحب حق ولو من أنفسهم وأهاليهم وعشيرتهم الأقربين، وله الحق فيما يقول، ولكن أغلب القضاة في محاكمنا من غير هذا الصنف النادر الذي لا يؤثر عليه كاتب المحكمة وأمين سرها ولا يحيده عن الحق رشوة أو واسطة من قاضٍ آخر أو شيخ أو مسئول.. والنادر لا حكم له ولا يقاس عليه ولوهم أنصفوا وصدقوا وعدلوا في أحكامهم لما بقيت قضايا المواطنين في أروقة المحاكم ودهاليزها عقوداً من الزمن يتوارثها الأبناء عن الآباء والأجداد لدرجة أصبح الكثير من الناس يؤرخون الأحداث والوقائع من تاريخ وصول قضاياهم إلى المحكمة وبداية مشوار الشريعة التي لا تنتهي. كما هو الحال مع الحجة عائشة من أبناء الحزم، حين قالت رداً على سؤالي وهي تشير إلى حفيدها الذي عرفت منه ان عمره 15 سنة «أنا لي أشارع بالمحكمة من قبل ما يخلق هذا بسنتين والحاج - تقصد زوجها - مات بعد خمس سنوات من الشريعة بالمحكمة» كل هذه السنوات من المعاناة رغم أن غرماءها مواطنون عاديون ولا يوجد بينهم من يعمل في سلك القضاء، فكيف هو حال من كان خصمه وغريمه قاضياً، كما هو الحال مع الحاج صالح الحوباني الذي ختم حديثه معي وهو يلملم شتات نفسه وجسده المنهك «لو كان غريمك قاضي من تقاضي» ؟؟ فعلاً لو كان غريمك قاضي من تقاضي لأن غريمك ليس قاضياً بعينه وإنما وزارة العدل ومجلس القضاء الأعلى وكل المنتسبين للسلطة القضائية.