اليوم.. تعالوا معي لنصوب العمود نحو القضاء الذي بوجوده الإيجابي والفعال والقوي والمستقيم يتحقق الأمان للدم والعرض والمال، وتحفظ وتصان الحقوق الخاصة والعامة، ويعم الخير والعدل، ويستقيم مسار الحياة للمواطن والدولة، للوزير والخفير، للسلطان والرعوي.. فالقضاء العادل القوي ضرورة لاستقامة الحياة وشيوع الأمن والطمأنينة. الأخ الرئيس حضر حفل تخرج الدفعة الثانية عشرة من معهد القضاء العالي يوم الأحد ال«11» من شهر فبراير.. وألقى على المتخرجين والحضور من كبار رجال القضاء كلمة نقدية قوية.. حاثاً إياهم على أن يكونوا أقوياء في قضائهم، مستقلين في محاكمهم، لا يخضعون لسلطان سوى سلطان الشريعة، وسلطان الحق.. داعياً إياهم إلى أن يتخلصوا من الإطالة والتعريض في القضايا، وأن تكون أحكامهم صارمة باتة خالية من أي ثغرات، ولا يخافون في الحق والعدل لومة لائم.. فالله سبحانه وتعالى أحق بأن يُخاف، والشريعة العادلة السمحاء أحق بأن تُتّبع.. لأن الحاكم ال«قاضي» لا يجوز أن يتأثر خوفاً أو مجاملة ونفاقاً من تدخل هذا أو ذاك، سواء بالتوسط المباشر أو بالتواصل الهاتفي.. حتى وإن كان الوسيط رئيس الدولة أو نائبه، أو رئيس الحكومة أو وزرائه، أو شيخاً، أو عضو مجلس نواب، أو محافظاً ، أو وجيهاً أياً كانت وجاهته.. لأن ال«قاضي» لا يتأثر بأي عوامل تحيد به عن الحق والعدل، وتخرجه عن شريعة الله. وأنا لا أعتقد أن «القاضي» يجهل ذلك، ويجهل أنه مستقل، لا يؤمر ولا يوجّه من أي سلطة.. وهذا ما يكفله له الدين «العقيدة»، ودستور الجمهورية، والقانون.. وهو حق لا يستطيع أن ينتزعه منه أحد.. وأي تفريط باستقلال القاضي فيعود للقاضي نفسه.. وليس له عذر أو مبرر، أو حجة إذا فرّط باستقلاله.. لأن من حقه أن يرفض، بل من واجبه أن يرفض أية توجيهات، ولو كانت من رئيس البلاد إذا كانت تخالف العدالة وتؤثر على استقلال القاضي.. وأنا على ثقة كبيرة جداً أن رئيس الجمهورية يستحيل أن يكون قد وجّه أو أنه سيوجه على أي شكاية بالحكم لصالح فلان أو علان «مقدم الشكوى»، ولا يمكن إذا وجّه بأن يزيد توجيهه عن عبارة «انصفوا المذكور»، وهذه لا تعني التوجيه بالحكم لصالح المذكور.. فانصفوا المذكور تعني خذوا الحق له، أو خذوا الحق منه لخصمه إذا كان الحق لخصمه. أيضاً.. ال«الحاكم» لا يجب أن يتأثر بمكانة المتخاصمين الاجتماعية أو الوظيفية أو المالية، أو ينحاز بتعصب قروي أو قبلي، ولن أقول «سياسي»، لأن القاضي لا يجب أن يتحزب ويتسيّس.. إن الخصوم يتساوون أمام القضاء.. فالقوي ضعيف عند القاضي حتى يأخذ الحق منه، والضعيف قوي حتى يأخذ الحق له.. ومن لا يستطيع أن يكون كذلك، ويصمد في الحفاظ على استقلاله.. فليعلم أنه لا يصلح للقضاء والأفضل له أن يعتزل القضاء ويبحث له عن عمل آخر، حتى لا يظلم نفسه، ويظلم الناس والبلد.. فيكون من أصحاب النار. لا لوم على الأخ الرئىس حين يقسو في نقده للقضاء والقضاة، لأنه يعلم عنهم ما لم يعلموه.. وأنا أعلم أن قضاة يسيرون في قضايا ليست من اختصاصهم المكاني ولا النوعي.. وأعلم عن قضاة رحمهم الله كانوا، وما زال هناك من هم على نفس الشاكلة من المطولين والمعرضين، ومن تصل إجراءات التقاضي في القضايا المنظورة أمامهم إلى عشرين متراً من الورق. على أي حال.. الدفعة الجديدة من معهد القضاء الأعلى.. «ما شاء الله» كلهم شباب نضَّر.. نظيف، نأمل أن يحافظ على نظافته ونضارته، وألا يُدنّس.. وأن يشكلوا دفعة قوية في تطور القضاء واستقلاله وفاعليته وإيجابيته وقوته.. وأن يفرضوا هيبة للقضاء ومهابة، تخيف الوزير والخفير، والعقيد والقعيد على حد سواء.. خاصة وأن الشباب دائماً ما يعرف بقوته ومنعته وحماسه وتوقه للتغيير والتطوير.. ويد العدالة الصارمة والقوية على الظلم والاستقواء.