لا ولن نكون أبدا دولة حديثة, والدولة الحديثة ليست مجرد سيارات فاخرة تسير في الطرقات, أو مترو الأنفاق, أو مدارس مطلية بأحدث الدهانات, وبها حمامات سباحة, أو لديها كل مساء برامج توك شو, لا.. بل هي الدولة التي تحترم القانون, وتقدس القضاء. إن احترام القضاء والقضاة ومرفق العدالة هو الذي يتيح للناس الحصول علي حقوقهم, وإلا عدنا جميعا لنعيش في زمن الغابة, إذ يأكل القوي فينا الضعيف, ومن ثم لا نصبح دولة حديثة.. ونحن جميعا نريد أن تكون مصر دولة حديثة.. أم ترانا لا نريد, ويسعي كل واحد منا لمصلحته هو فقط, وليذهب الآخرون للجحيم؟ وللقضاء كما لكل مؤسسة أخري قواعد للعمل, علي رأسها الحرص التام علي حق كلا الطرفين المتواجهين في خصومة, ومن هنا فإن القاضي يجب حمايته وصيانة استقلاله, وإبعاده عن أي مؤثرات خارجية تشوش علي دراسته للقضايا, وإلا فإنه لن يحكم أبدا بالعدل, ويجب علينا جميعا أن نضع في اعتبارنا أن الناس جميعا أمام القانون وبالتالي أمام القاضي سواء, لا فرق فيهم بين وزير أو خفير, وبطبيعة الحال, فإن مصر هذه الأيام تعيش حالة ثورة, والكل غاضبون, ولهم الحق, فالذي فعله فينا النظام السابق ليس قليلا, وانتشر الفساد في كل المفاصل والأنسجة, ووصل إلي العظم, الكل يشعر بالظلم, والكل يريد حقه, والكل يشك ويرتاب في الكل, وامتد الشك إلي القضاة أنفسهم, ونسي البعض في غمرة الغضب أن القاضي يحكم بالورق الذي أمامه, بعيدا عن الهوي والغرض, ومن ثم أصبح كل واحد منا يريد من القاضي أن يحكم لمصلحته هو, حتي لو لم يكن الحق معه! والمفارقة الموجعة في هذا الشأن أن هذا القاضي نفسه, الذي نهاجمه, هو من نتوجه إليه ليرد لنا حقوقنا, وإلا فلمن نذهب؟ للبلطجية مثلا؟ طيب ماذا لو التفت هذا البلطجي إليك أنت فأكلك, بدلا من أن ينصفك؟ وحتما هو سيفعل, لأنه بلطجي, إذن فالقاضي هو الشخص المنوط به رد الحقوق الضائعة, وهنا يكون السؤال: وما الحل للمأزق الذي نحن فيه الآن؟ لا حل إلا باحترام القضاء, وإذا كانت في مرفق العدالة بعض السلبيات فلنسع جميعا لإصلاحها, لكن ليس علي حساب احترام القاضي وهيبته واستقلاله.. كله إلا القضاء ياسادة!