مما لا شك فيه أن التركة التي ورثتها حكومة الوفاق الوطني ثقيلة ومرهقة جداً، ومن الصعب عليها التعامل معها بسرعة وإنجاز المهام الموكلة إليها حتى ولو كان رئيسها “طرزان أو سوبر مان” وأعضاؤها “أبطال النينجا” أو نسخاً عدة من“غرانديزر” فرئيسها وأعضاؤها من أبناء اليمن نعرفهم جميعاً. كما نعرف أن الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد ستكون العقبة الكبرى أمام عمل هذه الحكومة التي يجب علينا أن نقف خلفها ونعمل على تهيئة الأجواء الكفيلة بتمكينها من أداء ما هو منوط بها من مسئوليات، وتنفيذ ما تضمنه برنامج عملها الذي صادق عليه البرلمان، مع ضرورة الأخذ بالآراء والمقترحات السديدة التي تم طرحها من قبل بعض النواب الهادفة إلى الارتقاء بمستوى أداء الحكومة وتلبية السقف المنطقي والمعقول للمطالب الشعبية وفي مقدمتها تحسين مستوى الخدمات الأساسية والارتقاء بها نحو الأفضل. لا نريد أن نقسو على الحكومة ونطالبها بالمستحيل؛ كون ذلك يخالف منطق العقل والحكمة والصواب، الحكومة مازالت في نقطة البداية ونريدها أن تخطو المرحلة الانتقالية خطوة خطوة لتصل إلى الغايات والأهداف المنشودة. هناك مشاكل مزمنة في عدد من القطاعات الخدمية وحلها لن يكون في يوم وليلة؛ فلابد من مراعاة عامل الوقت وعدم إغفال الأوضاع المالية والاقتصادية المتدهورة التي تعانيها البلاد، فالموارد شبه محدودة، والإصلاحات تحتاج إلى موازنات هائلة لكون الأضرار التي لحقت بالوطن خلال العام المنصرم كبيرة جداً وإمكاناتنا المادية لا تسمح لنا بإنجاز كل هذه الإصلاحات وفي زمن قياسي كما قد يتخيل البعض. فعلى سبيل المثال مشكلة الكهرباء والتي تعد من أكبر المشاكل التي يعانيها أبناء الشعب باستثناء “أصحاب المقام الرفيع” من القادة والساسة والمسئولين والنافذين ممن يمتلكون مولدات كهربائية تعمل على مدار 24 ساعة، فمشكلة الكهرباء قائمة منذ عشرات السنين، وللأسف كلما كنا نتطلع إلى وضع معالجات لها إذا بنا نشهد تراجعاً لخدماتها من عام إلى آخر حتى وصلت إلى أسوأ حالاتها خلال الفترة الراهنة. رغم الوعود والتصريحات المتكررة إلا أن واقع الكهرباء في اليمن يرثى له، وهذا أمر واضح أمام الجميع والكل على اطلاع بشأنه، وإذا كنا خلال هذه السنوات العديدة قد عجزنا عن إصلاح أوضاع الكهرباء في ظل حالة من الاستقرار وتوافر الدعم المالي الكافي فكيف بمن يطالبون حكومة الوفاق الوطني بإصلاح الكهرباء خلال أسابيع فقط على توليها مهام إدارة البلاد وكأن الوزير الجديد يمتلك “عصا موسى” أو“فانوس علاء الدين” هذا منطق غير معقول وغير مقبول؟!. ولا نريد أن نجعل من الحقائب الوزارية في هذه الحكومة منطلقاً لتصفية الحسابات الشخصية والمكايدات والإقصاءات والاستهدافات السياسية والحزبية، مشاكل الكهرباء كثيرة، وتعقيداتها تمثّل أبرز العوائق التي تحول دون التوصل إلى حلول ناجعة لها. ولذلك لابد من تضافر الجهود والعمل بروح الفريق الواحد والتحلّي بالصبر فيما يتعلق بالمواطنين الذين ينشدون إصلاحات خدمية ملموسة على هذا القطاع الخدمي المهم الذي تكبّد الاقتصاد الوطني بسببه مئات الملايين من الدولارات نتيجة الأعطال التي نجمت عن الأعمال التخريبية والاعتداءات المتكررة على خطوط النقل والمحطات الخاصة بالتوليد الكهربائي. فالمواطن عليه أن يدرك جيداً حجم الأضرار التي لحقت بقطاع الكهرباء، ويطّلع على الصعوبات والعوائق التي تحول دون استقرار أوضاع الكهرباء وإنهاء حالات الإطفاء والانقطاع المستمر لهذه الخدمة. لقد صبرنا طويلاً وتحمّلنا طويلاً؛ ولن يضرنا القليل من الصبر، وخصوصاً أننا نعرف طبيعة الأوضاع في البلاد وحجم التحديات الكبيرة التي تواجهها حكومة الوفاق الوطني، وقس على ذلك خدمات المياه والتعليم والصحة والطرقات وغيرها من الخدمات التي لا يمكن أن تتحسن في ظرف أيام أو أسابيع، فالمهمة صعبة، ولكنها ليست مستحيلة، وعلينا أن نكون عوناً للحكومة في تنفيذ هذه الخدمات وتحسينها ليلمس المواطن انعكاساتها الإيجابية على حياته. إذاً المطلوب أن نتفهّم وضع البلاد ومن ثم وضع حكومة الوفاق، ونعمل على تسمية الأشياء بمسمياتها، بعيداً عن الشطحات و“العنتريات التي لا تسمن ولا تُغني من جوع” فالحكومة لم تعد تمثّل المؤتمر والمشترك، ولكنها باتت تمثّل اليمن ومعه تحمل أحلام وطموحات وآمال وتطلعات كل اليمنيين. لا نريد أن نحمّل هذه الحكومة مالا تطيقه، ولا نريد أن نطالبها بإنجاز ما نحن على اقتناع تام بأنه أشبه بالمستحيل لا لشيء وإنما لإظهار عجزها وإفشال المهمة إلى تشكلت من أجلها. وفي هذا السياق ينبغي على البرلمان العمل على تشكيل ثنائي وطني مع حكومة الوفاق للخروج بالبلاد والعباد إلى بر الأمان، على اعتبار أن المرحلة الانتقالية تتطلب التوافق الوطني بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، لا نريد أن تضيع جلسات البرلمان في المناقشات العقيمة والجدل المتبادل بين الوزراء والنواب، نريد أن يصب الجميع في قالب واحد يقود إلى انفراج تام للأوضاع الراهنة ليتسنى تهيئة الأجواء أمام إجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة. اليوم البرلمان والحكومة في مهمة إنقاذ وطن وشعب؛ وعليهم أن يستغلوا الوقت ويعملوا على إصلاح ما يمكن إصلاحه وحل المشاكل التي تتعلق بالجوانب الخدمية والاقتصادية والتموينية والأمنية، إنها فترة انتقالية، والحكومة حكومة توافقية ولا يوجد مبرر لاصطياد الأخطاء وتبادل حيك المؤامرات ووضع العقبات والعراقيل بمختلف صورها وأساليبها وأشكالها، وخصوصاً أن كل طرف يعرف الآخر جيداً ويعرف إلى ماذا يهدف وماذا يخطط له. إذاً ما المانع أن يلتقي الجميع في محطة واحدة ويوحّدوا جهودهم لتصب في مصلحة الوطن، فما يخدم المصلحة الوطنية كلنا نؤيده ونشد على أيدي القائمين عليه دون الحاجة إلى النظر للأسماء والدخول في “معمعة” الولاءات والانتماءات السياسية والحزبية. إذاً هي دعوة لفتح صفحة جديدة، هي دعوة المصالحة الوطنية التي يتم من خلالها إغلاق كل ملفات الماضي واستدعاء الحاضر من أجل صنع المستقبل المنشود، ونعِي جميعاً أن الحزبية التي كانت ثمرة من ثمار الوحدة المباركة هي مجرد وسيلة وليست غاية، وأن الوطن أغلى من الأحزاب، وأن "ترمومتر" قياس الوطنية يحدد بمدى تغليب المصلحة الوطنية على ما دونها من المصالح لدى الأفراد. وأعتقد أن تجرد أعضاء حكومة الوفاق من اللهث على المصالح الشخصية والحزبية بالتزامن مع توجّه مماثل من قبل أعضاء البرلمان، وتحويل ذلك إلى منهج يسير عليه كافة اليمنيين خلال هذه الفترة الانتقالية سيكفل لليمن إحداث نقلة نوعية مشهودة في مختلف المجالات، وللوصول إلى ذلك لا حاجة لنا بالمكايدات الحزبية والمواقف الشخصية المتصلبة والاستفزازية، ولا حاجة لنا أن نقسو على حكومة الوفاق ونحاصرها باليأس والإحباط. المطلوب اليوم حشد الطاقات وتسخير كل الإمكانيات من أجل توفير الدعم والمساعدات المالية من الدول الشقيقة والصديقة التي من شأنها تجاوز كل الآثار الناجمة عن الأزمة السياسية وإفرازاتها على مختلف الأصعدة. نريد أن يعمل الجميع على توفير الاعتمادات المالية الكافية لحل مشاكلنا وإنهاء معاناتنا وتمكيننا من استعادة التوازن من جديد والوقوف بثبات من أجل صنع الغد المشرق وبناء الدولة اليمنية الحديثة. اليوم رئيس الوزراء ومعه مجموعة من الوزراء دشّنوا زياراتهم الأخوية إلى عدد من الدول الخليجية من أجل التسريع بالمساعدات لضمان الاستمرارية في تنفيذ المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وما نأمله هو أن تكلل هذه الزيارات بالنجاح وتحقق النتائج المتوخاة منها. والحذر كل الحذر من أي تصرفات أو ردود أفعال غير متزنة قد يقع فيها البعض والتي قد تعود بالأوضاع في البلاد إلى مربع الصفر، وهذا ستكون له انعكاسات كارثية مدمّرة من الصعب السيطرة عليها ومحاصرة تداعياتها. وفي الأخير دعونا نسمو جميعاً فوق الجراح والآلام ونغلّب المصلحة العليا للوطن ونكون على قلب رجل واحد حتى تتجاوز البلاد هذه الظروف الصعبة التي تعيشها. وليعمل وزراء حكومة الوفاق على أن يجسدوا للشعب القدوة الحسنة في الوطنية الحقة والحرص على الابتعاد عن أي أعمال أو تصرفات لا تخدم عملية الوفاق والمصالحة الوطنية. عليهم أن يدفعوا الجميع إلى الالتفاف حولهم ومناصرتهم والوقوف في صفهم ولن يقسو عليهم أحد ماداموا على هذا النهج الذي يكفل للبلاد والعباد الوصول إلى الغايات والأهداف المنشودة. وأقولها للنواب الأفاضل والوزراء الأكارم:“اكبروا بكبر وطنكم” كونوا أكثر عقلانية وواقعية، تجردوا من الولاءات الحزبية والشخصية التي تكون على حساب الولاء للوطن، ابذلوا ما بوسعكم من أجل وطنكم وشعبكم، كونوا أقوى من النزوات والمؤامرات والدسائس التي تعترض مساركم، احرصوا على أن يتم تنفيذ برنامج الحكومة بحسب الفترات الزمنية المحددة له، كونوا دعاة وفاق وتوافق وتصالح لتصبحوا مفخرة لكل اليمنيين. حفظ الله اليمن واليمنيين، وأدام علينا نعمة الوحدة والأمن والاستقرار ولا عاش أعداء اليمن. [email protected]