كنت قد نويت أن استعيده من جديد , فبدأت أبحث عن رقمه في الإمارات لأقول له كالعادة في تخاطبي معه: يا أستاذ أتمنى عليك أن تعيد آفاقاً , و(آفاق) عموده في (الثورة) , ولآفاق حكاية!!, وقد بدأت هكذا , اتصال لصوت هادىء : أنت فلان ؟ قلت : نعم , عاد ليقول : أنا فضل النقيب , وأرغب في الكتابة للثورة , الاسم فقط كان يغري بالقول وبحماس : أهلاً بالأستاذ , عاد ليقول لقد سألت الأستاذ صالح الدحان : كيف أنفذ إلى الثورة , قال : عليك ببجاش, أن يقول : النقيب , فقد رن الجرس في رأسي : الله الرجل الذي تمنيت أن أتعرف به ها هو يأتي برجليه, : أستاذ نحن والثورة تحت أمرك , فبدأ النهر يتدفق , ونحن ننهل منه , احرص على أن اقرأ عموده قبل الجميع واستفيد من قلم لم أر بغزارته إلا قلم الدحان , والنقيب في رأسي من زمان منذ أن سمعت حكايته والشاعر الكبير الجرادة , هكذا أهل عدن يختصرون (محمد سعيد جرادة) وهي طريقة تميزهم , كانت حكايته والنقيب والأستاذ محمود الحاج منتشرة في الوسط الأدبي ومفادها أن الثلاثة قدموا كوفد يرأسه الجرادة إلى صنعاء من عدن أيام القاضي الإرياني للتباحث مع اتحاد الأدباء في الشمال يومها , وبعد انتهاء المهمة حزم الجرادة حقيبته للعودة إلى عدن ليفاجأ بأن النقيب والحاج يرفضان العودة – وسنبقى في صنعاء وابق معنا يا أستاذ – وبطريقة الجرادة : عند الله وعندكم كيف أرجع بلا وفد , كيف ( با يسوو بي ) !! , أصر الاثنان على رفض العودة , فعاد إلى عدن ليسأل , أين الوفد يا جرادة ؟ , - كان جرادة يصنف من الرجعيين - , تفتق ذهنه عن القول ليخارج نفسه – وقد اشتهرت العبارة فيما بعد شمالاً وجنوباً وصارت من النوادر - : «الرجعيين رجعوا والتقدميين تقدموا !!» , النقيب ذهب إلى الإمارات والحاج ظل في صنعاء , كنت أسمع الاسم يتردد كثيراً على لسان المساح وعبدالباري والحاج والوسط الأدبي والصحفي كثيراً, وظللت أتمنى أن اعرفه حتى أتى اليّ , فسكن في الشقة المقابلة , أنا في شقتي (مشاهد يومية) وهو في الصفحة المقابلة في عمارته (آفاق) هو يعلم وأنا اتعلم, وأنا والقارىء كل يوم نذهب إلى أفق جديد !! انقطع مرة، عاد , انقطع , عاد, انقطع نهائياً ليودعنا مغترباً !! وظللت كل يوم من شق في نافذة من غرفة اتخاوص عموده وأحدث نفسي: الله أنت تكتب بجانب النقيب , ذلك شرف ما بعده شرف , وأن تلعب مع فريق قوي فأنت تجاري ما استطعت , أن تلعب مع فريق ضعيف يجبرك أن تلعب بطريقته فيلعنكما الجمهور ويخرج من المدرجات!! كان التفوق بالتأكيد للنقيب وأنا – بتواضع – أجاري , قلم النقيب سيالاً إلى درجة العشق , جزيل الكلمة , سامي الأسلوب , غزارة معلومات ليس كالبحر في ثروته , قل هو المحيط , فارس كأنه عنترة بن شداد لا يشق له غبار، , يستأسر ألف كلمة ويطلق لوجه الله على الورق مليوناً , إنسان إلى درجة البكاء على الورق إذا سألت عنه في لحظة مرض يحتاج الإنسان فيها مهما عظم إلى مجرد سؤال عن الحال ؟؟ , أتى إلى صنعاء وصادف تكريم المساح الذي يحسب لخالد الرويشان , يومها قلت كلمة لم أقل مثلها في حياتي وكتب هو في ملحق الثوره التالي عن (المساح الذي هزم التمساح)!! , تزامل هو والمساح من عدن إلى القاهرة إلى صنعاء , إلى المشاعر التي ظلت جياشة , لقد خسرنا قلماً عظيماً , ورجلاً للأسف الشديد ظل بعيداً عن الوطن , وبغيابه بالتأكيد خسرنا الكثير , لقد توقف عن الكتابة احتراماً للنفس, في لحظة كان النفاق هو المطلوب !!, إذا كان لي أن أعزي أحداً فخالداً ابنه كابن , وللثلاثة كل العزاء , محمود الحاج , والمساح , وعلي عبدالله العولقي الذي يبكيه كثيراً , وبحرقه أنا لن أنسى قلماً تعلمت منه ذات مباراة طويلة كيف أصنع الأهداف وأودع الكرة في المرمى ,ظل هو اللاعب الذي يهدف والحكم في نفس الوقت حتى صافرة النهاية . [email protected]