هيئة عمليات التجارة البريطانية تؤكد وقوع حادث قبالة سواحل المهرة    يوميا .. إفراغ 14 مليون لتر إشعاعات نووية ومسرطنة في حضرموت    قيادات الجنوب تعاملت بسذاجة مع خداع ومكر قادة صنعاء    الوزير الزعوري يطّلع على الدراسة التنموية التي أعدها معهد العمران لأرخبيل سقطرى    عناصر الانتقالي تقتحم مخبزا خيريا وتختطف موظفا في العاصمة الموقتة عدن    كل 13 دقيقة يموت طفل.. تقارير أممية: تفشٍّ كارثي لأمراض الأطفال في اليمن    طوارئ مارب تقر عدداً من الإجراءات لمواجهة كوارث السيول وتفشي الأمراض    البنك الإسلامي للتنمية يخصص نحو 418 مليون دولار لتمويل مشاريع تنموية جديدة في الدول الأعضاء    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على نيو إنجلاند برباعية في الدوري الأمريكي    بايرن ميونيخ يسعى للتعاقد مع كايل ووكر    الدوري الانكليزي الممتاز: ارسنال يطيح بتوتنهام ويعزز صدارته    العلامة الشيخ "الزنداني".. رائد الإعجاز وشيخ اليمن والإيمان    اشتراكي الضالع ينعي رحيل المناضل محمد سعيد الجماعي مميز    العليمي يؤكد دعم جهود السعودية والمبعوث الأممي لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن    الفنانة اليمنية ''بلقيس فتحي'' تخطف الأضواء بإطلالة جذابة خلال حفل زفاف (فيديو)    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    الشبكة اليمنية تدين استمرار استهداف المليشيا للمدنيين في تعز وتدعو لردعها وإدانة جرائمها    على طريقة الاحتلال الإسرائيلي.. جرف وهدم عشرات المنازل في صنعاء    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    18 محافظة على موعد مع الأمطار خلال الساعات القادمة.. وتحذيرات مهمة للأرصاد والإنذار المبكر    بالصور.. محمد صلاح ينفجر في وجه كلوب    خطر يتهدد مستقبل اليمن: تصاعد «مخيف» لمؤشرات الأطفال خارج المدرسة    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    وفاة فنان عربي شهير.. رحل بطل ''أسد الجزيرة''    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    اسباب اعتقال ميليشيا الحوثي للناشط "العراسي" وصلتهم باتفاقية سرية للتبادل التجاري مع إسرائيل    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    مجهولون يشعلون النيران في أكبر جمعية تعاونية لتسويق المحاصيل الزراعية خارج اليمن    طالب شرعبي يعتنق المسيحية ليتزوج بامرأة هندية تقيم مع صديقها    تضامن حضرموت يحسم الصراع ويبلغ المربع الذهبي لبطولة كرة السلة لأندية حضرموت    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    وفاة شابين يمنيين بحادث مروري مروع في البحرين    الحوثيون يلزمون صالات الأعراس في عمران بفتح الاهازيج والزوامل بدلا من الأغاني    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    اعتراف أمريكي جريء يفضح المسرحية: هذا ما يجري بيننا وبين الحوثيين!!    الدوري الاسباني: اتلتيكو مدريد يعزز مركزه بفوز على بلباو    مصلحة الدفاع المدني ومفوضية الكشافة ينفذون ورشة توعوية حول التعامل مع الكوارث    ضربة قوية للحوثيين بتعز: سقوط قيادي بارز علي يد الجيش الوطني    وصول أول دفعة من الفرق الطبية السعودية للمخيم التطوعي بمستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن (فيديو)    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    قيادية بارزة تحريض الفتيات على التبرج في الضالع..اليك الحقيقة    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    "نهائي عربي" في بطولة دوري أبطال أفريقيا    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    القبض على عصابة من خارج حضرموت قتلت مواطن وألقته في مجرى السيول    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشهيد إبراهيم محمد القادري
نشر في الجمهورية يوم 18 - 03 - 2012


نعم الهدف وقد كان!!
في رحلة طلابية سئل الحاضرون ما هو أهم أهداف حياتهم؟ رفع الجميع أيديهم، ووقع الاختيار على الشاب إبراهيم القادري، فأجاب بأن هدفه في الحياة وفي كل أعماله، هو رضا الله..
نعم الهدفُ وقد كانْ.. وكان إبراهيم هو أول من يقع عليه الاختيار، وأفصح من يجيب.. أول من يحضر وآخر من يغيب، ولم يرسب قط في المدرسة أو خارجها..
من إب.. محافظة المطر والتين، ومن مديرية الشعر تحديدا جاء إبراهيم ابن الاثنتين وعشرين عاما، كريم المنبت، لطيف المعشر، حسن الخَلْقِ والخُلُقْ.. يُؤْلَفُ قبل أن يُعْرَفْ..
نتأمل صورته فنرى فيها بهاء السمت والطلعة، وعمق التأمل..
بيد أن الصيدلاني الذي لطالما داوى الجرحى واصطحب معه الدواء في الحل والترحال، وكان على وشك البكالوريوس في الصيدلة، قد منحته رصاصة غادرة في جمعة الكرامة، الشهادة العليا بامتياز مع مرتبة الشرف، وفي أول دفعة.
لم يطأطئ رأسه للرصاص، حين عرضت شاشات التلفزة جانبا من مجزرة جمعة الكرامة، إنما لعدسات الكاميرا حتى لا تراه أسرته في لحظة الدم والخلود.
وعلم (جميل) شقيقه الأكبر ، فأخفى عن والده الخبر، قبل أن يكون الشهيد إبراهيم القادري نجماً لا يأفل، ولا يحب الآفلين.. وأنشودة ترددها الدنيا وتعيد وتعيد..
وكان الشهيد إبراهيم قيمة ومبدأ.. حارساً متواضعاً في لجان النظام ومسعفاً في المستشفى الميداني وعضواً فاعلاً منضبطاً في ائتلاف 11 فبراير بساحة التغيير، وكل الساحات، ولم يأت يوماً ما، بعد موعده، بل قبله بقليل..
في ساحة التغيير حط إبراهيم حلمه الكبير، بوطن أجمل، وغد أفضل لكل الناس. وقدمت خيمته ثلاثة قناديل لفجر الحرية، وفي يوم واحد، وهم الشهيد علي الفلاحي والشهيد مجاهد القاضي والشهيد إبراهيم القادري الذي فاز بهدفه، وأي هدف: رضا الله والخلود..
هكذا عرفه أصدقاؤه، وهكذا هو.. وما زال قصة في الذاكرة، وغصة في كل وجدان.. آية عشق يخطها على رمل شاطئ، وفي الماء الذي يسبح فيه، لا تدري أيهما اغتسل بالآخر.. فقد كان إبراهيم، أنقى من الماء المعلق في جو السماء..
سلمت يداك يا إبراهيم، ويد من رباك.. أبعادك أبعد من كل الأبعاد، وأمجادك أمجد من كل الأمجاد، ويصطفي الله من عباده من يشاء.. وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون.. وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون..
الشهيد عمر محمد الشيباني
في السابع من فبراير عام 1986، ولد عمر محمد حسن الشيباني في مديرية الشمايتين قرية المدهف بمحافظة تعز.
درس الابتدائية في مسقط رأسه بمدرسة الوحدة، وبعد تخرجه من الثانوية العامة انتقل مع والديه إلى العاصمة صنعاء، وبسبب الظروف الصعبة والتي تعانيها معظم العائلات، فقد اضطر عمر الشيباني إلى العمل لإعانة أسرته، غير أنه لم ينشغل بذلك..
عما يجري في وطنه، فقد انضم إلى إخوانه الثوار منذ الأيام الأولى للثورة، فكان يكافح في الصباح من اجل أسرته، و بعد انتهائه من عمله يذهب إلى ساحة التغيير جنبا إلى جنب مع إخوانه الثوار رافعاً كلمه الحق عالياً، منادياً بنصرة المظلوم وردع الظالم..
كان إيمانه بنجاح الثورة قوياً ولا شك فيه، لأنها مبنية على قول كلمة الحق، ومع إيمانه بنجاح الثورة كان متلهفاً للشهادة، فقد كان من الثائرين على أرض السعيدة ومن الطامحين لتحرير الأقصى الشريف..
نشأ الشهيد الشاب عمر محمد حسن الصبري الشيباني في بيئة تربوية صالحة، وبعد حصوله على الثانوية العامة من “مدرسة الوحدة -بني شيبة” انتقل عمر إلى صنعاء لمعاونة والده الذي عمل مؤخراً ك سائق سياحي لدى مجموعة شركات (العالمية للسياحة والسفريات)، وكان عمر الأحب الى الناس أكثر من شقيقيه (زياد ونوح) كزهرة بيضاء تنضح بالبراءة والاستقامة وجمال النشأة.. اغتالته يد الغدر(الفاشيَّة النازيَّة) الآثمة وسقط شهيداً صبيحة جمعة الكرامة –ساحة التغيير بصنعاء 18 مارس 2011
كان عمر يستشرف الشهادة دائماً وطالما حدث والديه بذلك بشغفٍ، انتظمته يد التربية والتكوين وصنعته يد العناية اللهية أنموذجاً حياً وخالداً للشباب من أجل التغيير.
الشهيد صلاح عبدالله الشرماني
ثورة بين جمعتين
من تعز.. من هذه المحافظة الحالمة.. ومن منطقة الشرمان في مديرية ماوية تحديداً.. جاء صلاح، وحط رحاله مع أسرته في العاصمة صنعاء ومنها بدأ مشواره. وبرغم كونه الأصغر بين إخوانه الذين رعوه منذ طفولته وعلموه الخياطة، إلا أنه كان كبيرا بهمته وتطلعاته.. وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام..
كانت البساطة عنوانه، والصدق طريقه.. والأمانة والإخلاص رأسماله إلى جانب حرفته التي أتقنها ويعتاش منها مع أبويه.. الذين كان صلاح باراً بهما ومجاهداً فيهما.. وكرس جهده وعمله للإنفاق عليهما.. ويعيش معهما في منزلهم الصغير الذي بناه والده على مساحة صغيرة من الأرض، لا تتجاوز لبنة واحدة.. لكن بقلب مفعم بالأمل.. ينشد الحرية والتغيير..
جند صلاح نفسه منذ سمع نبأ انطلاقة ثورة الشباب، فأعطى ساحة التغيير كل حبه، وشارك في كل المسيرات التي خرجت منها، واشتعل حماسه أكثر بعد مجزرة فجر السبت في الثاني عشر من مارس ألفين وأحد عشر!! فأغلق محله في الصافية وتفرغ للنضال السلمي هناك في ساحة التغيير حيث تنسم صلاح عبير الحرية، وعانق أشواقه وأحلامه المشروعة..
عرض عليه ذات يوم أن يخلي محل الخياطة التابع له في الصافية، مقابل ستمائة ألف ريال، كانت أمه تتمنى موافقته كي يوفر له مبلغا للزواج، لكنه رفض!! وبعد استشهاده أخلى أهله المحل دون مقابل، على اعتبار أن المحل أضحى بعد صلاح خسارة فادحة، لا تربطهم به علاقة سوى دفع الإيجار الذي أعياهم ارتفاعه!!..
للجمعة في حياة صلاح حكاية.. فمولده كان يوم الجمعة، وذروة ثورته كانت جمعة، بين 12 مارس و18 مارس، واستشهاده كان فيها أيضا، بين جمعتين عاش حياة مباركة كانت خاتمتها الشهادة..
في تلك الجمعة الدامية لم يعد صلاح لتناول الغداء مع أمه التي انتظرته طويلاً، بعد أن خرج مبكراً وكعادته في الاستعداد لصلاة الجمعة والتبكير لها ولأي أمر يهمه.. جاء الشاب صلاح في يده للأمل شمعة، بل قنديلاً يضيء وانطلق نحو الفجر.. لكن نظام صالح خشي أن يبزغ نور الفجر على اليمنيين. فقابله برصاص الغدر بعد أن فرغ لتوه من صلاته وخطبتي جمعة الكرامة..
لقد ترك صلاح أبوين طاعنين في فراغ الفجيعة، وقلوباً حزينة وعيوناً دامعة.. وهاهي أم الشهيد صلاح تستعرض بعضا من شريط الذكريات مع ابنها الشهيد.. وعبرت بافتخار عن شعورها تجاه ساحات الحرية والتغيير.. وتجاه ما حدث في تلك الجمعة الدامية.. بل ورفضتها مساومتها على حذاء ولدها، مقابل دار الرئاسة!!..
أما الأب المكلوم فيتحدث بألم عن فراق ابنه صلاح وتبكيه مواقف يتذكرها.. “ما معانا إلا الله... وصلاح”..
محمد كذلك.. الأخ الأكبر للشهيد، حضر إلى الساحة جمعتئذٍ، حيث قتل أخوه على بعد أمتار منه، وحين عاد إلى البيت قطع المسافة من الجامعة إلى الصافية مشيا على الأقدام..
أما بيت الشهيد فلم يخل، كغيره من بيوت الشهداء، من صورة تجمع رفاق عليين..
رحل الشهيد صلاح الصراري الشرماني، مهدياً وطنه قلبا عامرا بالحب والأمل والحرية، وسبعة وعشرين شمعة هي سنوات عمره، ليشكل قنديلا يضاف إلى قناديل الثورة لينير درب الحرية..
الشهيد أمين محمد العريف
العريف، ليس الرتبة العسكرية، ولا اسم القرية التي احتضنتها عزلة الشاحذية بمديرية الرجم محافظة المحويت، وإن كانت بتفاصيل الأمر معنية.. لكن العريف مرتبة شرف وقصة نجاح تتقاصر إبداعات الأقلام عن سبر أغوارها وتعجز نياشين الأرض عن تكريم قدرها.. إنها روح ملائكية زارت دنيانا ذات يوم في صورة إنسان عرف بأمين علي أحمد العريف..
من زوايا مسجد العريف، المحفوف بأجواء السكينة وأكاليل الخير، ابتدأ الشهيد أمين العريف رحلته..
وفي مدرسة الفلاح بالعريف تشرب معارفه الأولى قبل أن تقود همته العالية للتوفيق بين دراسته الثانوية وإتمام حفظ الكتاب الكريم في رحاب دار القرآن الكريم الأهلية بالرجم، والتي ساهمت في صياغة نماذج فذة من رواد الخير وأرباب التغيير..
وبرصيد إعلامي وإيماني كبير، تقدمت عزيمة الشيخ الشهيد أمين العريف صوب الصرح الجامعي لتفتتح نافذة جديدة على مجده المرتجى. فكان قسم القرآن الكريم وعلومه، خياره الأول، وميدان فروسيته الذي أطلق في مضماره لتميزه العنان ليكون قصب السبق حليفه على الدوام..
لكن هذا التميز الفريد الذي حققته قدرات الشهيد، قوبل بسياسة إقصاء وإلغاء اعتمدها النظام الحاكم، أداة لقتل الإبداع، ليجد الشيخ العريف نفسه بعيدا، ليس عن طموحه المشروع، في استحقاق درجة المعيد فحسب، بل وعن حقه البسيط، في الحصول على وظيفة لائقة، تؤمن له لقمة عيش كريمة. عندها لم يجد غضاضة في البحث عن مصدر رزق يمول فترته الانتقالية، ويساعده في ترتيب أوراق مجده التي نثرها في رصيف البطالة، فساد النظام. بحث أمين عن عمل فوجده يبحث عنه فقبل به، ولكن إلى حين..
وفي الثامن عشر من مارس 2011، كان موعد سفر العريف قد أزف، لكنه ليس عبر مدرج مطار صنعاء، ولا على متن مروحية النظام التي حوم شرها فوق ساحة التغيير.. إنه يوم الكرامة، يوم الرحيل الظافر للشهيد أمين العريف، ورفاق الخلود، ليس إلى عمان، بل إلى أعالي الجنان..
وأخير وجد الأستاذ علي العريف أخاه الشهيد وقد وجد عند ربه مبتغاه، فهل يستقرئ ما استطاع من مكنون ابتسامة ظاهرها الوداع وحقيقتها اشتياق الأبطال في كل ساحات الحرية والتغيير. ابتسامة ودعتها أعين المشاهدين ولم تودع ذكراها الوالدين والإخوة والمحبين..
وهنا حيث لا يستهين أحد بدم شهيد، زفت محافظة المحويت أمين العريف ضمن عدد من أبطالها الأفذاذ الذين احتفت بهم ساحة التغيير بصنعاء في موكب عرس جماعي فريد لا يستثني الشيوخ، ولا تغار منه الضرائر، ولا يقف عداد تعدده عند أقل من اثنتين وسبعين من الحور العين..
الشهيد عبد الباسط المشولي
كغيره من أبنا وطنه، لم تأخذه مشاغل الحياة وهمومها بعيدا عن معاناتهم وهمومهم وتطلعاتهم، فبقي مرتبطاً ارتباطا وثيقاً بأبناء جيله من شباب هذا الوطن من خلال التواصل الاجتماعي عبر (الفيس بوك) حتى حانت اللحظة التاريخية ليكونوا جميعهم على موعد واحد في ساحة التغيير منذ البدايات الأولى للثورة الشبابية حتى لحظة استشهاده في جمعة الكرامة الدامي الموافق 18مارس 2011م..
في قريته مشاولة عليا بمديرية المعافر حجرية تعز وتحديدا العام 1970م ولد عبد الباسط عبد الغفور هايل علي المشولي، وترعرع هناك، وتميز بصفات فذة ونادرة قلما اجتمعت في شخص واحد تأتي على رأس قائمة تلك الصفات والسجايا: الشجاعة والإقدام والثبات في المواقف إضافة إلى نبل الأخلاق والكرم والتواضع والوفاء والصدق مع النفس ومع الآخرين..
بدأ حياته العملية بالالتحاق في صفوف القوات المسلحة في معسكر المدرعات في بداية 1987 ثم انتقل إلى معسكر با صهيب عام 1991 واستمر حتى عام1994م عاد بعدها إلى الحياة المدنية من خلال العمل التجاري ثم مغترب في المملكة العربية السعودية حتى العام 2005م عاد بعدها إلى أرض الوطن مواصلاً نشاطه التجاري ليصل في الأعوام الأخيرة من حياته إلى أن يكون أحد التجار في مجال الخياطة والتطريز ولديه معمل للخياطة والتطريز بصنعاء يعمل به أكثر من عشرة عمال.
حاصل على الشهادة الإعدادية ونظراً لظروف الحياة المعيشية الصعبة لم يتمكن من مواصلة تعليمه لكنه ظل قريباً من مصادر العلم والمعرفة مستمداً التثقيف الذاتي في كل ما يرتبط بالشأن الوطني والعربي والإنساني- له كتاب واحد قيد الطبع وفيه يطرح رؤيته حول ترسيخ دولة القانون والمؤسسات واجتثاث الفساد والإفساد الذي دمر كل بنيتنا الوطنية. وفي صفوف الحزب الاشتراكي اليمني مارس دوره السياسي منذ تحقيق الوحدة اليمنية مباشرةً.
الشهيد صقر أحمد الشيخ
غادر عمله في خفر السواحل اليمنية الممتدة بطول 2400 كم، حين علم يقيناً أن الخطر في قلب اليمن، ويحتل مساحة كبيرة في تقاطع الستين والسبعين، فقرر الالتحاق بالثورة في صنعاء، منذ اندلاعها، رغم إصرار والده المتقاعد في الأمن على ضرورة بقاء ولده في خفر السواحل كما يعتقد.
من منطقة عمار مديرية الرضمة بمحافظة إب، انطلق صقر الشيخ وهو أكبر إخوانه الثلاثة، إلى رحاب ثورة عظيمة، كان من المقرر أن يلج عالم الحياة الزوجية بعدها، غير أن أقدار السماء، أسرع من الشهر القادم، كما حدد له والده. وقد قال لوالدته قبل استشهاده: بعد رحيل الرئيس “إن شاء الله نقيم عرسا كبيرا تبثه الجزيرة وسهيل”.
في خيمته التي نصبها بشارع العدل بداية اعتصامه في ساحة التغيير، كان الشاب صقر الشيخ، ينظم تاريخ الثورة، كعقد جمان.. يكتب يومياته في مذكرات، يستطلع آراء المعتصمين، يطرح القضايا ذات الصلة بالثورة، يحلل، يناقش، يتابع آخر أخبار الساحة، وخارجها..
يظل على تواصل مع مراسلي وسائل الإعلام العربية والخارجية، تصدر أكثر من مرة في عدد من القنوات، وأبدع في الحديث عن التغيير، وضرورة رحيل صالح.. شأن كثير من نجوم الثورة وبيارق الحرية.. يعينه في ذلك دبلومان في اللغتين الإنجليزية والفرنسية، بالإضافة إلى التحاقه بالمستوى الأول في كلية المجتمع بأمانة العاصمة.
لم يدرس الإعلام ولا تخصص في العلوم السياسية. قناعته بأهمية التغيير، وشعوره بمعاناة وطن أعياه أمراؤه، كان هو السر في انطلاقه، بالإضافة إلى إيمانه بأهمية الثورات السلمية ونجاعة أسلوبها في إنجاز ثقافة المواطنة الحقة.
كان الشهيد صقر البالغ من العمر 29 عاما من أوائل المعتصمين في الساحة، بل قاد مسيرات قبل أشهر من قيام الثورة الشعبية، بينها مسيرة مع عدد من الأشخاص في منطقة بيت بوس لتبني قضايا حقوقية. هو لا يريد العيش مع الذل أو الحياة مع الظلم ، لذا كان من أول المبادرين في رفع الظلم عن المظلومين.
خميس ما قبل جمعة الكرامة، رفض مغادرة الساحة عدة أيام لحضور زفاف أحد أقاربه، مفضلا فرحة التغيير الكبرى لثورته. شأنه في ذلك شأن كثير من الثوار، يرقبون النصر عن كثب.. وأمام إصرار أخيه الأصغر وخالته، أقسم بأنه لن يرحل من الساحة حتى يرحل صالح، لينعم الجميع بالفرحة وليس أسرة واحدة..
في جمعة الكرامة استطاع صقر أن يطير بجناحي النضال والشجاعة وتسلق الجدار العازل الذي وضعه بلاطجة السلطة لمنع توسع الاعتصام ولم يصب بأي أذى، كان يرى إطلاق النار من منزل السفاح محافظ المحويت، هرع مهرولا إلى المنزل، وبينما هو في بداية تسلق المنزل قنصته إحدى رصاصات الأمن المركزي لترديه قتيلا.
يقول أحد أقربائه وهو يوسف الشيخ : كان صقر يتسم بالشجاعة والتعاون حتى انه شارك بإسعاف عدد كبير من جرحى مجازر النظام وقد كان يتواصل مع مراسل الجزيرة أحمد الشلفي وكان يحرص على عمل لقاءات مستمرة مع الصحفيين ولديه عدد من المذكرات ، وقد كتب في أحد مذكراته قائلا : نحن نعاهد ونوقع على الثورة مع إخواننا المعتصمين، فدماؤنا وأرواحنا من أجل الكرامة ، من اجل يمن جديد ومستقل أفضل.
الشهيد ربيش أحسن الحاكم
لا أستطيع نسيان صوته، كلما تذكرت شهداء جمعة الكرامة.. تصيبني الحسرة والألم كلما رأيت صورته في ساحة التغيير..
في كل مرة كان يعرض فيها برنامج قناديل الفجر على قناة سهيل، الذي أتولى إعداده وكتابة نصوصه، كان هذا الرجل يتصل بي وبفريق البرنامج يطلب منا القدوم إلى منطقته بسوق الأمان / بني مطر.. وأمام إلحاحه الشديد على خروجنا بعيدا عما يسمى الخط الأخضر، وأعني المنطقة التي يتولى أنصار الثورة حمايتها، كنا نوافق على الخروج لتسجيل حلقة توثيقية عن ولده الذي استشهد في جمعة الكرامة,,
تكررت دعوة هذا الرجل لنا عدة مرات، في بعض المرات كانت الأعمال تزاحمنا فنعتذر عن الموعد، وفي مرات أخرى كان الرجل يبدي حرصا زائدا علينا فيسارع بالاتصال بنا صبيحة ذلك اليوم (الموعد) لإخبارنا أن الحرس الجمهوري منتشر بكثافة في المنطقة ويطلب منا عدم الخروج,,
تطورت العلاقة بيني وبينه عبر الهاتف، وكان يمدني بأخبار كثيرة لنشرها، من اختطافات وتقطعات وغيرها، يطلب مني أن أنزلها في شريط سهيل أو في الصحوة موبايل وغيرها,
كان الرجل متلهفا بشوق لتسجيل البرنامج قصة ولده، وكنا في بعض الأحيان نتحرج منه فنطلب منه الدخول إلى صنعاء كون الجزء الأول من البرنامج اقتصر على تسجيل ما أتيح داخل المنطقة الشمالية من صنعاء وأحياءها الآمنة بسبب ما كانت تتعرض له كاميرا سهيل من عنت ومشقة,, لكنه كان يقابل طلبنا بالرفض..
وإلى هنا يبدو الأمر عاديا،، قبل أن يعرف القارئ الكريم أنني لن أتمكن من كتابة شيء عن الشهيد ربيش أحسن صالح الحاكم شهيد جمعة الكرامة، لسبب واحد هو أن الذي أتحدث هنا عنه هو والد الشهيد ربيش الحاكم والذي استشهد هو الآخر فلم أصدم بقوة إلا عندما وجدت صورة ربيش في مكان القلب من صورة والده يجمعهما برواز واحد مرفوع على هامة الثوار في أحد منافذ ساحة التغيير..
رحم الشهيد ووالد الشهيد ورحم الله شهداءنا الأبرار ولا أرانا الله سوءا ولا مكروها بعدهم ,, آمين.
الشهيد محمد يحيى شماريخ
“شماريخ”.. من أحرف الشموخ والتاريخ، قامة قيم ترعرعت، على هام قمم جبال الرجم بالمحويت، فأثمرت الشجاعة والنبل والصلاح والكرم..
لم تستطع سياسة التجهيل الرسمية أن تحرم فتى المحويت البطل محمد يحيى شماريخ من التحليق في آفاق المجد كما حرمته من مواصلة مشواره التعليمي، فما أسدته المعاهد العلمية باكرا من أسس تربوية وأخلاقية كان كافيا للتميز في حياته العملية.
وكما عرفت خبره أسرته وقريته عرفته ساحته التي بادر مع ثلة من رفاقه الأحرار لافتراش رصيفها والتحاف سمائها حتى قضى الله ما شاء وأنجز ما وعد للمظلومين من الجزاء والتمكين.
وفي الثامن عشر من مارس 2011م، كان نجار بيت النجار، الشهيد محمد شماريخ قدد ودع الحديد وأبواب الخشب، ليستفتح بأحداث جمعة الكرامة بابا لا تعب فيه ولا نصب، أحال بيت النجار إلى بيت الشهداء والثوار..
صدق الشهيد فصدقت الرؤيا حتى خال شماريخ الذي لم يتجاوز العقد الثاني من عمره، أن آمادا طويلة تفصل بين أمنيته ولقمته، فعجل إلى ربه ليرضى، دون اكتراث بغير ما هو خير وأبقى.
وهناك حيث النيران والدخان، قال الشهيد: يا ساحة الثورة امتدي،ويا صدور الأبطال للرصاص صدي، فكان كما تنبأ المازحون: دكاكا من بشر، لا يقيد حريته مدر أو حجر. فتى أخلص النية فحقق الله له الأمنية..
لقد دُكَّ الجدار إذن، وبدأ شماريخ في جوار مولاه، لكن قلوبا حرَّى لا تزال تنتظر عودته.
علم والده ما حل بولده، لكن مهمة البحث عن رفات البطل بين عشرات الشهداء الذين توزعوا على المستشفيات المتعاونة مع الثورة، ما خلق قلقا لا تجس آلامها غير القلوب الموجعة..
وحين عثر على جثة شماريخ بين شهداء جمعة الكرامة كان ترتيبه السادس، وهو ذاته أصلا سادس ستة إخوة صاروا ينظرون إلى جثمان أخيهم المسجى ببردة بيضاء، بعين التسليم والرضا، لهذه الصفقة التي عقدها أخوهم الشهيد مع ربه، ولسان حالهم ومقالهم: “ربح البيع يابن يحيى!!”..
يحل المصاب وتبقى ذكريات الأحباب، أما الشهيد فقد يمم وجهه صوب ما يريد، تاركا خلفه أسرة صابرة قوية، وثورة فتية عصية تنال من الطغاة ولا تنام حتى تحقق أهدافها وتبلغ بالشعب المنى والمنال..
الشهيد عمرو محمد سعيد البريهي
التحق الشهيد بثورة الشباب من البداية حتي يوم استشهاده في ساحة التغيير – جامعة صنعاء.
مكان وتاريخ الميلاد: 1990- تعز- عزلة البريهة – مديرية جبل حبشي.
الحالة الاجتماعية: عازب.
المؤهل: حاصل علي ثانوية عامة قسم علمي – مدرسة طارق بن زياد نسبة النجاح80%
التحق بالجامعة 2010-2011م مستوى أول كلية التجارة والاقتصاد-جامعة صنعاء.
الخبرات: دورات لغة انجليزية- رياضة كرة قدم.
أسرة الشهيد: ينتمي الشهيد إلى أسرة فقيرة تتكون من سبعة عشر نسمة وهم والده الذي يعمل فلاح في القرية ووالده مازال على قيد الحياة مسئول عن والدة الشهيد و أربعة إخوة للشهيد واحدى عشر أختاً للشهيد.
الشهيد نشوان الفقيه
ما إن وصلت الثورة ساحة نشوان عبد الكريم الفقيه، الأخ الثاني في الترتيب من بين إخوانه حتى كان من أوائل الثوار في ساحة التغيير بصنعاء.
والتحق بالثورة من بدايتها واتخذ من الخيمة التي تجاور منصة ساحة التغيير مقرا دائما لنشاطاته وأعماله الثورية,, وكان ينصح إخوانه بالالتحاق بالركب الميمون، كما أخبرنا أخوه يوسف المجند في الجيش بمحافظة تعز “كان يوصيني دائماً بأن لا أترك حريتي وكرامتي وكرامة هذا الوطن”..
نشوان هو أحد أبناء عزلة الثوابي مديرية جبلة محافظة إب وتخرج من كلية الشريعة والقانون بجامعة صنعاء..
الشهيد عبدالله الدحان
ليس لبعدان وحدها
بالقربِ من جولةِ القادسيةِ في ساحةِ التغيير بصنعاءْ، نصبَ خيمتَهُ ضمنَ مجموعةِ ائتلافِ شبابِ الحريةْ..
لتلك الخيمةِ أن تزهوَ ببطلها الدّحّانْ.. فهي من أوائلِ الخيامِ وأسخاهُنّ يداً وروحاْ.. كانَ إذا اشتد بها الهجيرُ لاذتْ بفيءٍ من شجاعتِهِ، وإقدامِهِ وحرصِهِ على مقدمةِ الصُّفوفِ.. ولما اكتمل فيها الظمأُ رواها بدمهْ.
رصاصةٌ غاشمةٌ مَحَتْ نارُها ملامحَ وجهِهِ، تاركةً ابتسامةً تملاُ محيَّاهْ.. وبطاقةً أسيفةً دلّتْ عليه.. وما ضَرّهُ،، وهو عبدُ الله بن علي الدحان.. لو لمْ يعرفْهُ أحدْ.. فقد سبقتْهُ روحُهُ إلى الجنةِ، فجرَ الثانيْ عشرْ من مارس 2011.. حيث عانق الشهادةَ بشوقٍ قديمْ.
تقاطرَ زملاؤهُ ومحبوهُ من كلِّ مكانٍ في وطنِ المحتجينْ.. (ساحةُ التغيير)، بعد سماعهم نبأ استشهاده، لتقديمِ الواجبِ في خيمةِ العزاءْ.
أربعةُ أولادٍ كانوا ينتظرون عودةَ أبيهم ظافراً، وبيدِهِ أوراقُ اعتمادِ الوطنِ الجديدْ.. ليسَ لبعدانَ وحدها، ولكن لسائرِ اليمنِ الميمونْ.. لعلّ عصامَ وشمسَ وغسان ومحمد كانوا هم الأملَ الذي ظل الشهيدُ الدحانُ ينظرُ من خلالِهِم إلى مستقبل البلاد.
للدحانِ الشهيدِ، وإخوانِهِ في المصيرِ المشرّفِ، سلطانٌ على القلوب.. عاهدوا فصَدَقُوا.. وبايعوا فأَوْفَوْا.. وصممُوا فأنْجَزُوا.. يشهدُ بذلك ما كتَبَه بخطِّ يدِهِ في دفترِ مذكراته “الصحبة الصحبة يا رسول الله..”.
من شَهْقَةِ كبرياءٍ، في حصنِ حَبّ، وشموخِ رابيةٍ في جبلِ المنارْ.. منْ محافظةِ إب الخضراءِ جاءْ.. وفي أصيلٍ من أصايلِ قريةِ بيتِ الدحانِ في عُزلةِ الحرثِ من بعدانْ.. ولد الشهيد، وفيها نشأ وترعرعْ.. ومضى الدحانُ إلى اللهِ والخلدْ، في الثاني عشر من مارس.. بعد ثلاثةٍ وثلاثين عاما، هي عمُرُهُ، وعمُرُ مأساةِ وطنٍ غادرهُ البطلُ.. وشمسُهُ تستيقظْ، وصبْحُهُ يتنفّسْ.
كان عبدُ اللهِ بطلاً بلا منازعْ.. مسطرا أغلى وأنصعَ صفحاتِ ثائرٍ في ساحة التغيير بصنعاء، ذلك اليوم الحزين.. وسيظل قنديلاً يضيءْ، ونبراسا يُحتَذَى.. ليس لِبَعْدَانَ وحدها.. فقد كان عنوانَ المبادرةِ، والقائدَ المتميز، وكرس وقته لفئةِ العمالِ التي أحبها، وأعطاها من وقتهِ وجهدِهِ ومالِهِ الشيءَ الكثيرْ..
جَمَعتْهُ مع رفيقِ النضالْ: عبدِ الواحدِ المنصوبْ، الشهادةُ وحسنُ الخاتمةِ.. إضافةً إلى قيادةِ فرعِ الإصلاح بالدائرةِ الثانيةَ عشرة، بأمانة العاصمة. وكان أيضاً النجارَ الماهرَ الخبيرْ، الذي ترك نجارةَ العماراتِ المسلحةِ دهراً، للمساهمة في بناء البيت اليمني الكبير.. لقد فعلْ.. وفتح على كل الجهاتِ نافذةً إلى المستقبلِ والنورْ.
لجنازتِهِ بهجةُ المهرجانْ.. وفي خيمتِهِ عطرُ عيدْ.. ولقد كان الشهيدُ الدحانْ.. قصةَ نضالٍ، وبطاقةَ ميلادِ وطنْ.. صادرة في 12مارس برقم (1037).. رقم (1037) هو رقم بطاقة الائتلاف، وجدت معلقة على صدره، ولم يعرف أحد أنه الدحان، إلا بها. فيما كان قد أعلن عن استشهاد الشاعر المنيعي الذي يشبه الدحان إلى حد كبير..
الشهيد علوي أحمد الشاهري
كان وجها باشَّا لا يخطؤه القلب، وبتلك الابتسامة كان يناضل، ويواجه جهامة الحياة وكآبة الزمن..
البسمة سره الآسر.. حديث روحه المحبة الرفرافة، والمسكونة بالفرح والتوق والصفاء.. إنه الشهيد المبتسم علوي أحمد محمد الشاهري..
لهذه الخيام ذاكرة حية، لا شيء فيها يدركه النسيان رجال عاشوا وإياها لحظات انبلاج الفجر، وانفلاق صبح ثورة سلمية أيقظتها أرواحٌ فتيَّةٌ، وأسكنها في سويدائه، شعب لطالما انتظر شارة البدء من شبابه..
في كل مرة تستدعي فيها اليمن حبها المركوز في وجدان أبنائها، تحضر محافظة البيضاء كمخزون هائل للرجال، ومتحف زاخر بتراث من التضحيات..
ومنذ 33 عاما، لم تكن اليمن سوى مرجل يغلي بداخله صبر اليمنيين، وتنضج فيه حكمتهم، ويختبر فيه إيمانهم..
ابتسمت رداع لثورة الشعب السلمية وعاهدتها على النصرة.. وقعت عهد الإخاء مع كافة قبائل البيضاء.. وقدمت قيفة الشموخ والإباء، بيرقا من بيارقها.. فكان الشهيد علوي الشاهري، نموذجا فريدا في التضحية والفداء والعمل الدؤوب، ضمن خمسة شهداء أخرين من ذات المحافظة هو واحد منهم..
أوثق علوي الشهيد، مرساته على شاطئ ساحة التغيير بصنعاء، حيث يقطن مع زوجته وولديه، جوار مقر عمله في وزارة العدل.. مناضلا أبيا، وبطلا مقداما، وزوجا كريما، وأبا حنونا، وعمرا ينيف على الواحد والثلاثين عاما، يزخر بشبكة من العلاقات والأصدقاء والحب والثورة..
وفي المشاهد كلها، كانت له صولة وجولة، ضمن لجان النظام منذ سقوط أول شهداء ساحة التغيير بصنعاء في الثاني والعشرين من فبراير 2011.. ثم في الثامن مارس، ومجزرة فجر الثاني عشر من ذات الشهر، ومجزرة جمعة الكرامة في الثامن عشر منه أيضا، حيث توارى النجم الشاهري إلى جوار ربه والخلود، وقد أبلى بلاء حسنا..
في حواره مع أمه قبل استشهاده بيومين، برهان عشق لم يتأخر أبو عزيز الشاهري عن إسكانه هناك في قلب ساحة التغيير بصنعاء.. حيث انفق شهقته الأخيرة، بدم غال ونشيج أغلى الغوالي لديه..
لقد كانت جمعة الكرامة يوما استثنائيا في حياة كل اليمنيين، وقد ترك ذلك أثره في بيت كل شهيد، وقلب كل محب، وما من شهيد إلا وله قلوب لطالما نبضت بحبه ومقل لطالما ذرفت عليه ماء العيون.. وكان آخر ما كتبه الشهيد الشاهري على صفحته الشخصية في الفيسبوك (إن الثورة ستنتصر.. شاء من شاء.. وأبى من أبى.. وان غداً لناظره لقريب”.
وبصوته الذي لطالما تغنى بالقرآن حفظا وتحفيظا، وصدح بالنشيد، أرسل الشهيد علوي لأمه بأغنية جميلة برهان حب، وقربان رضا..
وتنوي زوجة الشهيد علوي مواصلة مشوار زوجها، فور إنهاء عدتها والانضمام إلى ساحة التغيير..
لليمن الكبير تهون المواجع وترخص النفائس والنفوس، ولأجلها عاش علوي الشاهري، ولأجلها أطلق بسمة الخلود..
الشهيد محمد يحيى العزب
بين العام 1987 ويوم جمعة الكرامة في الثامن عشر من مارس 2011م، تمتد قصة هذا الفارس الذي امتطى صهوة التغيير، بعد أن صلى جمعة الكرامة في ساحة التغيير بصنعاء، ملوحا بوداع كريم عزيز خالد، ومؤذنا برحيل أبدي لطغيان هو أحد مسامير نعشه الأخير..
في قرية الهجر من محافظة المحويت ترعرع في صبا الشاهد والشهيد محمد العزب، وبفضل من الله نال حظه من الرعاية والعناية الأبوية، حتى اجتمع له من العلم والفضل ما جعله شامة بين أترابه وأقرانه..
في مدرسة النور بالدواعر تلقى محمد العزب تعليمه الأساسي قبل أن تتحول أشواقه إلى مدرسة الفوز المركزية حيث أكمل تعليمه الثانوي، وتفصله ثلاثة أشهر عن التخرج من المعهد العالي للعلوم الصحية..
لقد استطاعت همة محمد التواقة إلى مراقي المجد ومعالي الأمور أن تكسبه تميزا فذا وتقى صادقا، تدخله قلوب الناس دون إذن أصحابها.. فقد كان صاحب رصيد قيمي أخلاقي لا تطيش به البورصات ولا تغير نقاءه السنوات..
إنه محمد محمد يحيى العزب أحد أعضاء لجان النظام بساحة التغيير بصنعاء، رابع أربعة إخوة ثوار قدموا من محافظة المحويت مع الخال وأبناء العمومة، لقول كلمة حق عند سلطان جائر..
إنه الشاب الذي لم تمنعه إمامة المحراب، من التصدر إذا انهالت على الصدور الحراب..
عاد الخميس إلى ساحة صموده بصنعاء، بعد وداع حميمي لافت تمازجت فيه القبلات بالدعوات، وخالص الوصايا بصدق النوايا..
لذا فقد ظل درعا لإخوانه الثوار، ينافح بهم ومعهم عن معتصم الثورة، كلما داهمته أذرع النظام الخادعة الماكرة، ولسان حاله يقول:
إذا القوم قالوا من فتى؟ خلت أنني عنيت فلم أبخل ولم أتردد
وبعد حياة حافلة بالرضا والعطاء، وبعشرات المواقف الشجاعة والنادرة في ساحة الرباط والمصابرة، شاءت أقدار السماء، أن يكون محمد العزب واحداً من عشرات الشهداء، الذي كتب لهم عند ربهم أعالي المراتب والمناقب..
فعقب طلق ناري سكن عنقه يوم الكرامة، صعدت روحه إلى بارئها ليسكنها جنات النعيم.
رحل الشهيد عن ستة إخوة وثلاث أخوات، وعن والدين صالحين صابرين، جمعهما اشتياق الفراق قبل ستة أيام من جمعة الكرامة. وبذات الابتسامة التي ملأت حياته وحياة من حوله ودع الجميع مطلقا لروحه عنان الخلود، لتسرح في نعيم الله الأبدي...ضمن عشرات الشهداء استقبلتهم ساحة التغيير بصنعاء للصلاة عليهم وتوديعهم، عاد الشهيد العزب في موكب جنائزي مهيب إلى حيث بدأ إلى مسقط رأسه في قرية الهجرة من محافظة المحويت، وعلى غير العادة في استقبال المصاب.. نعم.. هكذا كان الحال، في يوم عرس الشهيد العزب الذي لم يبق من عزوبيته غير اللقب..!..
الشهيد محمد سعيد صالح الوجيه (زربة)
من محافظة إب الخضراء، ومن بين جبال مديرية السبرة، وتاريخها العتيد، جاء شهيد الحرية والكرامة، محمد سعيد صالح الوجيه، الذي اشتهر بحسن معشره، وعلو همته، وتفوقه الدراسي والأخلاقي..
عاف محمد الوجيه ما عند مدينيه من أموال فعفا عنها وتصدق بغيرها، وكتب بخط يده قبل سفره الأخير إلى صنعاء، يوصي بزوجته وولده الوحيد “مشعل”، وبما للناس عليه من ديون وأعمال، كانت لتجد طريقها إلى النور، لولا زحف الثورة إلى قلبه، ودين عليه لوطنه..
لم يفرق الشهيد محمد زربة، أكبر إخوانه الأربعة، بين ساحته القريبة في اللواء الأخضر، ولا البعيدة عنه في قلب العاصمة، إذ ليس الوطن هنا ولا هناك، إنه في دواخلنا أو لا وجود له البتة..
وذهب محمد الوجيه ابن الثامنة والعشرين عاما إلى حيث تتلاشى الانتماءات وتذوب حواجز الزمان والمكان..
غادر الشهيد الوجيه قريته في عزلة بلاد الشعيبي، التي كان مرشدها وموجهها وقدوتها.. متجها صوب الوطن الجديد، إلى حيث الشباب يصرخون، يهتفون ضد الاستبداد، أحرارا كما ولدتهم أمهاتهم، في مواجهة نظام عجز عن ترويض حبالهم الصوتية، فلم يقترفوا خطيئة الصمت..
بعزيمة لا تعرف الوهن، التحق الوجيه محمد، المشهور بمحمد سعيد زربة، بساحة التغيير مشاركا شباب جيله ثورتهم السلمية، بعد أن وصل يقينه إلى الذروة، بوجوب استئصال هذا الورم العائلي من يمن الحكمة والإيمان..
ما أن انقضت صلاة جمعة الكرامة وخطبتاها.. وصلى الشهيد قرب المنصة مع والده وشقيقه منصور، حتى أطلق الثوار صيحة الملهوف قرب الجدار، هناك.. حيث هتك الستر بين الحاكم والمحكوم، بسفك دماء الأبرياء..
أنذرت شرارة الحق، في جمعة الكرامة يوم الثامن عشر من مارس 2011، وأشرقت شمسه، لتبيد غيوم الجهل والظلام.. وتقدم محمد إلى حيث علت روحه،
ومن خلف جدار الكرامة اشتعل ذلك الحريق، فارتقى محمد سعيد زربة واثنين وخمسين من رفاقه..
اكتظت الساحات بالشهداء والجرحى، وضاق المكان عن اتساعه.. وفيما انضم والده وشقيقه لمساندة لجان النظام أمام المستشفى الميداني.. كان أقارب الوجيه يهمسون عبر الهاتف لبعضهم عن شيء ثمين شارف على الوداع الأخير..
الساعة العاشرة صباح التاسع عشر من مارس 2011، حطت رحال الحاج سعيد الوجيه في مستشفى آزال التخصصي بصنعاء، حيث علم بخبر استشهاد ولده محمد.. بعد رحلة بحث وعناء بين المستشفيات المتعاونة مع رجال الثورة وشبابها..
ما زالت حبات المسابح الظافرة، التي يزرعها أهل الشهيد، بفناء البيت، تثمر.. نظرة الحبور المنتشية بشهيد مرّ من هناك.. وفي دواخلهم مازالت روحه تتوقد كقناديل السماء، نفوس عاشت وإياه تحت سقف واحد.. وشيعت جنازته ثلاث مرات، في صنعاء وإب والسبرة.. واجتمعت عند ضريحه بعد استشهاده، لتجديد العهد لثورته..
وهكذا أثمرت جهودك يا محمد، ونفذ الجميع وصيتك في كل مديرية السبرة،إذ لا يزال أهلك صامدون هنا في الساحات، يرفعون الأعلام ويفتخرون بك وبزملائك، رفاق الدم الغالي.. ولا تزال الساحات تعج بالثوار والثائرات لأجلك ولأجل عهد جديد أنت أشعلت شمعته الأولى بدمك، ليحيا أطفالنا بكرامة وشموخ..
وتعود أطيار الحياة تشدوا بألحانها، من بين أشلاء وجراحات شهداء رووا بدمائهم ثرى وطنهم، مع كل إشراقة صبح وكل أفول نجم.. قبل أن يغادر الوجيه قريته “رجيعة” إلى غير رجعة، ليشعل النور في درب اليمن، ضمن أول دفعة من قناديل فجر ثورتها الشابة، ومبشرا بمناضل جديد يأتي من بعده اسمه “مشعل”..
الشهيد منيب يفوز الحكيمي
له من اسمه حظ وافر، وقد ظفر بما لم يظفر به غيره، وفاز بها
قصة الشهيد منيب الحكيمي كمثله من شهداء ساحة التغير في العاصمة في الجامعه الماضي، منيب يفوز الحكيمي شاب يدرس هندسة مدنية مستوى ثالث، رفيقي وقدوتي اخترت ان اكون معه في الدراسة واوقات الفراغ، شخصية تمتعت بالهدوء التام والذكاء الفطين والمظهر المحترم والادب الراقي، عرفنا عنه كل الاحترام والتقدير بين اوساط الشباب في جامعة الملكة اروى تعلمنا منه الكثير، الرحمة لفقيدنا العزيز والرحمة لكل الشهداء في ارض ساحة التغير وكل ساحة النضال.
لا اتصور كيف انسى آخر لحظات جمعتني بهذا الفقيد انها لحظات اخر يوما من اختبارات الفصل الماضي، كنا على استراحة قصير بعد الاختبار نجتمع نراجع ما دار في الاختبار وعندها عانقت رفيق دربي الفقيد.. استاذنته للسفر الى تعز الا ان منيب ابى السفرمعنا رغم اننا انطلقنا بتلك اليوم كل الى مدينتا وموطنه الاول البعض سافر الى الاردن والبعض العراق والسعودية ونحن كعادتنا سافرنا انا وبقية الزملاء الى تعز وودعنا منيب امام مكتب راحة.. لا اتصور كيف انسى هذه اللحظات لا اتصور كيف انسى العناق والحب والود الذي كان يجمعنا لهذا الشخص الفذ.
ماذا أقول عن آخر مرة سمعت فيه حبيبي وفقيدنا الشهيد منيب يوم الاربعاء الماضي تلك آخر لحظة سمعت صوته والحمد لله أنها استغرقت مكالمتنا الهاتفية اكثر من ساعة.. الحمد الله ان ألهمني الله وتذكرت رفيقي ..الحمد الله الذي جعل الشهادة طريقاً للعلاء والمجد والعزاء
الحمد لله اولا واخيراً ، لا ادري ماذا اقول ، الله يكتب لنا الشهادة الله ينصر كل المجاهدين، لا نامت أعين الجبناء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.