سواء جاء به تاجر,أو اكتشفته المعزة , فقد احتلنا هذا المستعمر البغيض حتى العظم, والغريب أنه المستعمر الذي لا يقاوم , ولا تدبج ضده القصائد العصماء , ولا يشتكى به في الأممالمتحدة ومنظمات حقوق الإنسان !! بل هو المستعمر المحبوب الذي من أجله تصمم الدواوين, وتفرش بأجمل الفراش!! , هو القات الذي استعمر حياتنا حتى الثمالة برضانا, ولا نريده أن يرحل، بل نعمل كل لحظة إلى أن ينضم إلى صفوف المؤيدين له المئات, ونضيف إليه السموم القاتلة، نتناوله راضين وشاكرين, وكلما ابتعد عنا خطوة اقتربنا منه عشر !!. حاول محسن العيني أن يحاربه فشكل لجنة, اكتشف أن ما صرف عليها من أجل القات يفوق أضراره خلال فترة وجودها, فألغاها, واكتشفنا أن الحاكم يؤيد بقاءه، كونه يشغل الناس عنه من لحظة النشوة حتى وقت الطنانة!!, وكل يوم نكتشف أن مئات من الشبان ينخرطون في صفوفه وبمبرر أن شراً أهون من شر, ترانا نشجع أولادنا على الانضمام إلى الطابور ونبدو مرتاحين إلى أنهم أصبحوا كباراً يشار إليهم بالبنان, وكل يوم نكتشف طرقاً جديدة لإضافة السموم ولا تدري كيف نعرفها, فمن الخميرة, إلى مربي الأغصان أضحت بطوننا تهضم الزلط مع الوريقات الخضراء ونحن فخورون !! . علينا أن نعترف أن حياتنا مستعمرة وبرضانا من هذه النبتة اللعينة ولا نبحث عن مخرج, وإن خصصنا يوماً أو أياماً لمحاربة القات عدنا إليه مشتاقين والحنين يكاد يجرفنا إليه وعوضنا عن اليوم الذي امتنعنا فيه عن تناوله أياماً !!. خصص شباب الساحات يوم 12 يناير يوماً بلا قات وحتى لا نبالغ في التيئيس نقول إنهم وضعوا يدهم على الجرح النازف في حياتنا, لكن المضحك المبكي أن من حملوا لواء الدعوة إلى تخصيص اليوم لمحاربة القات كانوا مخزنين !! , وأتذكر أنه في ظل حكومة باجمال صدر قرار بمنع (التخزين) في أماكن العمل, فكان يوماً مضحكاً بامتياز, ففي مقر عملنا (الثورة) رفعت الفرش من الديوان تقريباً لساعة لتعود معززة مكرمة!! أنا شخصياً انتحيت جانب الطريق بالقرب من فندق شيراتون, وانتشيت لمدة ساعة و(ذبلت), لأواصل السير إلى الصحيفة لأجد أمامي ما جعلني أضحك حتى الثمالة, زملاء وراء الدواليب مخزنين, وآخرين بالقرب من الحمامات, وآخرين ذهبوا إلى اللوكندات القريبة, وآخرين بدأوا يطرحون مقترحات من بينها استئجار شقة قريبة للتخزين (نخزن) بها ثم نأتي للعمل, تخيل عمل وقت الطنانة, وفي ندوة الفكر والفن والأدب في الثمانينات قرأ كمال بو ديب بيان صنعاء , فوردت عبارة (في اللحظة السليمانية) فثارت ثائرة محمود أمين العالم (يعني كتبتوا البيان في لحظة تخدير),لقد سيطر القات على حياتنا ووالله العظيم لا ندري ماذا نفعل؟ إذ لا يكفي أن نظل نكتب ونلعن جدوده ونحن مخزنين, حتى الكتابة لا تحلو إلا والخد متورم!!, وقد نتج عنه دورة اقتصادية هائلة، فمن المزارع إلى تاجر الجملة إلى المفرق إلى المبزغين إلى السائقين إلى باعة التمباك إلى باعة الفحم إلى إلى إلى!! فالقائمة تطول والبطالة تقذف بمئات الشباب إلى الدواوين, وكذا الفراغ وحالات الإحباط, ونحن نتفرج والدولة يبدو أن من صالحها أن تظل تتفرج, وأخطر ما في الأمر انضمام الأطفال إلى الطابور, وفي الأندية ترى القات في كل زاوية, وفي المدارس كذلك, والحل يكمن في ثورة شاملة يقودها الشباب وتتحول إلى قضية وطنية يجب أن يخصص لها المؤتمرات الوطنية, هل تدرون أين تكمن البداية, إذا استطعنا أن نفصل من هم في سن العاشرة عن بقية الأعمار وعملنا بكل ما أوتينا من قوة لإنقاذهم من براثن المستعمر المحبوب , نكون قد خطونا خطوة أولى, أما أن نظل نشتغل على طريقة جار الله والشرعبي, ذات صباح سألت جارالله: ماذا تفعل هذه الأيام؟ قال : معانا حزب أنا والشرعبي, هو يقنع اثنين يدخلوا, وأنا اقنع عشرة يخرجوا, قلت ضاحكاً: ليش يا جار الله؟ قال : وكيف تشتينا نطلب الله,!! القات أيها اليمنيون مصيبة هذه البلاد والشعب، وما لم نثر ونتخلص منه فسنظل نراوح المكان , على أن هذا ليس للتيئيس بل لإظهار فداحة المصيبة, وطيب الله أوقاتكم !!. [email protected]