بالأمس القريب وتحديداً يوم الجمعة انبرت فيالق قوات الأمن المركزي لتُباشر قتلاً مجانياً للمواطنين المُعبّرين عن أنفسهم في تظاهرة سلمية حضارية لا تشوبها شائبة، وكان واضحاً تماماً أن ذلك الاعتصام الجماهيري سيمضي للتعبير عن قناعاته بطريقة هادئة طبيعية، لولا التدخل غير المبرر لقوات الأمن المركزي التي باشرت بإطلاق الرصاص الحي على المواطنين . الذين وجهوا القوات بقتل المُعتصمين السلميين في عدن هم ذاتهم الذين باشروا عمليات القتل في صنعاءوتعز، وهم ذات العناصر المأفونة الباحثة عن مزيد من خلط الأوراق وتأزيم الوضع العام في البلاد. إنهم يراهنون على إفشال حكومة الوفاق الوطني، ووأد التوافقية اليمانية السلمية التي وضعت الخُطى لتحقيق الآمال والأماني في الانعتاق من البؤس الشامل الذي يحيق بنا. الذين وجهوا الجُند بإطلاق النار على المواطنين في عدن يخدمون التطرف بكل أشكاله، فالقتل المجاني مدعاة لمزيد من الحقد والكراهية، والذهاب بعيداً في مسلسل التأزيم المُتعمّد من شأنه أن يجعل العدمية السياسية حاضرة بسخاء قاتل. يختلف اليمانيون في تقديراتهم ومقارباتهم السياسية للنموذج المستقبلي الضابط لمسيرة الدولة والنظام، لكنهم في الغالب الأعم يُجمعون على أهمية المشاركة، والمواطنة المتساوية، بوصفهما معيار الهوية، ويرون ضرورة الحفاظ على الخصوصيات المناطقية الموروثة من تواريخ الحكمة والتوازن والتعايش، ولا يختلف عقلاء الساحة اليمنية بطيوف ألوانهم حول مبدأ الذهاب مباشرة إلى مؤتمر وطني شامل يشترك فيه الجميع، ويكون هدفه إنجاز النقلة اللاحقة للإنتقال السلمي للسلطة، وبهذا المعنى ليس هناك أدنى تناقض بين تنفيد مرئيات المبادرة الخليجية ذات النّفس التوافقي الحكيم، وبين ما سيلي الانتخابات الرئاسية التوافقية من شروع فوري في إنجاز الهدف الأكبر الذي يلي الانتقال السلمي للسلطة، وفي متن هذا الهدف، بل ومن أبرز معالمه الوقوف أمام المسألة الجنوبية ضمن إطار خصوصيتها غير المنكورة. أتساءل بحرقة ومرارة: لماذا يلجأ سدنة الغرف المُظلمة لتوظيف المؤسسات العسكرية للدولة في قتل المواطنين سواء في عدن أو تعزأوصنعاء أو صعدة أو أبين؟ وهل يعتقد هؤلاء بأن الإدارة بالأزمة يمكنها ان تعيد إنتاج بلاياها بعد أن «بان المُخبّى» وعرف القاصي والداني سمات وملامح مديري منطق الإدارة بالقتل؟ نقف اليوم أمام منعطف خطير وتاريخي، وعلى القوى الرائية الراشدة أن تصبر على هذه الاستفزازات حتى بلوغ الهدف القريب البعيد، وعلى أفراد الفرق العسكرية النظامية التمسك بشرف العسكرية اليمنية الموازية لأمن الوطن والمواطن لا العكس، فقسم الولاء لله و الوطن الذي قدّموه لا يُشبه قسم جنود “جانكيزخان” بالولاء للقائد فحسب. [email protected]