استكمالاً لحديث الأمس وقبله حول دور المجلس العسكري في مصر، واستطراداً على الاستحقاقات الماثلة فيما بعد الخط الذي يصل ويفصل 25 ينايرالجاري عن ما سبقها وما سيأتي بعدها، يمكننا القول بأن المجلس العسكري المصري يراهن على استمرار دوره في المرحلة اللاحقة للشرعية الانتخابية الجديدة، ولعله يبني تصورات ذهنية تتأسّى بتجربتي الجزائروتركيا كما أسلفنا، وفن إدارة الدولة من وراء كواليس المعسكرات المدججة بالسلاح. والتجربة التركية تكاد تكون الأرجح في تقديري، وذلك استناداً للتشابه الجيوسياسي التاريخي والثقافي بين مصر وتركيا، غير أن التجربة التركية تتميز إلى مستويين .. المستوى الأول يتعلق بعهد سيطرة اليمين المتوحش المدعوم بالجنرالات، والذي انتهى وخبا، والتالي يتعلق بسيادة حزب العدالة والتنمية الحاكم، والذي تمكن من القضاء على هيمنة تحالف اليمين والجنرالات من خلال الشرعية الديمقراطية العلمانية التركية، وبهذا المعنى قدّم حزب العدالة والتنمية نموذجاً رشيداً للإسلام السياسي، وهذا النموذج ازداد قوة وصلابة من خلال الانجازات الاقتصادية الباهرة التي جعلت تركيا العدالة والتنمية حالة مفارقة لجيرانها الأوروبيين المتورطين في أزمة مالية واقتصادية فادحة، كما هو الحال عند الجار الأقرب اليونان. نموذجا الجنرالات المتغوّلين على عهد اربكان، ثم حزب العدالة والتنمية على عهد أردوغان، يُظهران خيارين واضحين .. الأول يأتي لصالح المجلس العسكري المصري وهو خيار الجنرالات، وذلك في حالة إصرار المجلس العسكري المصري على السير قدماً في درب المتاهة، وعدم تنفيذ وعوده الناجزة في تسليم السلطة للسياسي المُنتخب جماهيرياً.. والخيارالثاني يأتي لصالح حركة الإخوان المسلمين، وهو خيارحزب العدالة والتنمية التركي، والسؤال: من سينجح من الطرفين في مُعادلة الخيار والاختيار؟ أعتقد جازماً أن جنرالات المجلس العسكري المصري لا فرصة لهم في النجاح إن أخذوا بالنموذج الأوليغاركي التركي على عهد الإسلامي السياسي نجم الدين اربكان الذي أطاحت به مؤسسة الجنرالات رغم الشرعية الدستورية العلمانية الأتاتوركية، وبالمقابل سينجح الاسلام السياسي الوسطي المصري إذا أخذ بنموذج حزب العدالة والتنمية التركي دون تراجع، علماً بأن هذا النموذج الإسلامي السياسي الرشيد لا يُناقض العلمانية ولا الدولة المؤسسية الديمقراطية. هل يقوى الإسلام السياسي المصري على دفع هذا الاستحقاق ومُغالبة مُتطرفيه المحيطين به من كل جانب ؟ .. ذلك هو السؤال العصي الذي سنجد جوابه القادم بعد يوم الفصل في الخامس والعشرين من شهر يناير الجاري. [email protected]