ما دمنا بصدد استعادة وامضة للتاريخ السياسي الذي شكل مقدمة لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، سنقف أمام التناقض السافر الذي كان ذات يوم بين حزب الرفاه الإسلامي بقيادة نجم الدين أربكان واليمين التركي المسيج بمؤسسة الجنرالات العتيدة ، وسنرى أن اليمين استطاع إزاحة أربكان من سدة الحكم، فيما طورد حزب الرفاه الإسلامي حد فرض الحظر عليه .. حدث هذا الأمر أثناء خواتم القرن العشرين المنصرم .. يومها بدت ملامح تناقض من نوع جديد بين اليمين التركي والأحزاب القومية الطورانية ، وبالمقابل تصرف الإسلاميون بذكاء بالغ وتمكنوا من إدارة حوار بناء مع القوميين والليبراليين والوسطيين بطيوف ألوانهم ، كما قدموا تنازلاً تكتيكياً من خلال إنشاء حزب الفضيلة بدلاً عن حزب الرفاه ، ثم تحول لاحقاً إلى حزب العدالة والتنمية. كانت المؤسسة الحزبية للعدالة والتنمية ثمرة ناجزة للعقلية السياسية المرنة التي لاتضع حواجز بين الإسلام والعلمانية ، كما تأخذ بأسباب الموروث الديمقراطي التاريخي التركي ، ولا تخطئ الهدف الجوهري من العملية السياسية المرتبطة أصولاً بتحقيق التنمية والرفاه . خلال العقد الحافل بالمنجزات الاقتصادية ثبت أن حزب العدالة والتنمية يمثل نموذجاً فريداً للخيار الإسلامي السياسي ، وأنه سار قدماً باتجاه تعميق عوامل النجاح الاقتصادي والممانعة التي أثارت غيرة بعض الأوروبيين حتى أنهم نعتوا رئيس الوزراء التركي أردوغان بالسلطان العثماني الجديد . وبغض النظر عن تلك النعوت التي أرادت إبعاد صفة الديمقراطية عن أردوغان إلا أن الجميع يقر بأن حكومة أردوغان باشرت حلحلة شجاعة لجملة من الألغام الوطنية التركية، وفي مقدمتها المسألة الكردية ، ومحاصرة مؤسسة الجنرالات التي نصبت نفسها تاريخياً بوصفها المدافع الأمين عن العلمانية الأتاتوركية.. وللحديث ختام. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك