اليمين التركي المُحاط بالحرس القديم كشف عن وجه الدكتاتورية المتخفية وراء رداء “العلمانية الأتاتوركية” فقد دأب جنرالات الجيش التركي أكثر من مرة على تعطيل الحياة الديمقراطية بحجة الدفاع عن النظام، وعندما وصلوا في كل مرة إلى دروب مسدودة اختاروا المحكمة الدستورية لخوض معركة سياسية متجددة مع حزب العدالة والتنمية الحاكم. قبل حين كان عنوان المعركة «إلغاء قرار البرلمان الذي لا يحظر دخول الفتيات إلى الجامعات بحجابهم الإسلامي!!» والحقيقة أن القرار كان عاماً ونال إجماعاً كبيراً في التصويت البرلماني، ولم يكن مُجيّراً على “الزي الإسلامي” بل على حرية الناس في الالتحاق بالتعليم دون عوائق، لكن اليمين المُستقوي بالجنرالات والمحكمة الدستورية أرادها معركة، وبدأ في جس النبض الذي يستهدف في نهاية المطاف المطالبة بحظر حزب العدالة والتنمية, لأنه حزب إسلامي، غير علماني، ولا أتاتوركي كما يزعمون. يعتقد اليمين التركي أن ما جرى قبل سنوات مع القائد الإسلامي السياسي “نجم الدين أربكان” وحزبيه “الرفاه الإسلامي” و”الفضيلة” يمكن أن يُعاد إنتاجه، مُتناسين أن حزب العدالة والتنمية أثبت للجميع احترامه للعبة الديمقراطية والمرجعية العلمانية “غير المُناورة” كما تمكّن من نسج تحالفات رشيدة، وحاز على ثقة الشارع التركي، وأنجز على الأرض شواهد لا تخفى على أي لبيب. اليمين التركي بافتعاله “معركة الحجاب” كان يقوم بمحاولة استدراج قيادة حزب العدالة والتنمية حتى يسارعوا في نقل المعركة إلى الشارع استجابة لرغبة الجماهير المؤيدة للحزب، لكن ذلك كان من شأنه تعطيل الحياة المدنية والسلم الاجتماعي مع قدر كبير من خلط الأوراق، وبما يؤدي في نهاية المطاف إلى إعادة تدوير الحياة السياسية برؤية جديدة.. أعتقد جازماً أن حزب العدالة والتنمية الذي لم يستجب حينها للابتزاز, ولم يُستدرج إلى مصيدة أو معركة ليست معركته، لا يمكن أن يستدرج الآن أيضاً، بل سيعمل دوماً على تعطيل الهجمات اليمينية “غير العلمانية” من خلال تبريدها، والعودة إلى مؤسسات الشرعية القائمة وفي مقدمتها البرلمان. رصيد حزب العدالة والتنمية يتمثّل في كامل المُقدمات التي أهّلته ليكون أكثر الأحزاب التركية جماهيرية، وأن يُباشر إصلاحاً مالياً وإدارياً، وتسريعاً للتنمية مما يشهد به القاصي والداني.