قلنا بالأمس إن المجلس العسكري المصري مازال يعيد إنتاج روحية النظام البائد في مصر، مُستفيداً من سدنة السيناريوهات المُخاتلة التي ابتدأت بالمحاكمات “ السرية” ، وما سبقها من استعراض مُخاتل، وحتى التمكين لفلوله من السيطرة الفعلية على أجهزة القوة وصناعة الرأي العام، وصولاً إلى اجتراح إطارات سياسية موازية للشرعية الانتخابية المحتملة، والتلويح بقبول أياً كان في الرئاسة والبرلمان والحكومة إثر الانتخابات المقررة، مع اعتراف ضمني بأن القادمين الجُدد سيكونون من تيار الإسلام السياسي الوسطي. لكن هذا القبول يرتبط بسيناريوهات افتراضية قد تتحول إلى واقع يُمدد من عمر النظام، بل يزيده تشويهاًً. يستحضر المجلس العسكري المصري تجارب عربية وإسلامية، ويعتقد بعض عرّابيه أن بوسعهما إعادة تدوير تلك التجارب، لكن المنطق السياسي الحكيم يقتضي الاعتراف باستحالة عودة التاريخ إلى الوراء، وصعوبة استحضار تجارب الحكم من خلال الخيوط الخفائية لنفوذ الجنرالات المدججين بالسلاح والمال معاً. أتصور أنهم أمام خيارين خائبين حتماُ .. يتمثّل الخيار الأول: في النموذج الجزائري المُتجهّم الذي مازال يسير على درب هيمنة الاوليغاركيا العسكرية، مقابل استئجار بعض محترفي السياسة الواصلين إلى قناعات واهمة، والمتربعين على عروش الرئاسة والحكومة كالدُّمى التي تُدار من خلف الستارة. هذا النموذج يتّسم بقدر كبير من العنف النفسي والقهر الأخلاقي على الطرف الاكروباتي القابل بتربُّع مواقع سيادية، بنفس طريقة القبول بالتنازل الحر عن الصلاحيات المُتاحة لهم دستورياً، كما أنه مكشوف أمام الشارع الجزائري المُدرك لطبيعة اللعبة السياسية التي تذكرنا بجمهوريات الموز التاريخية في أمريكا اللاتينية. الخيارالثاني: يتمثّل في النموذج التركي على عهد رئيس الوزراء الإسلامي السابق نجم الدين أربكان، عندما كانت الطغمة العسكرية التركية تُهيمن على مقدرات الأمة بحجة حماية العلمانية الأتاتوركية. وحالما حاول “أربكان” الخروج من أولويات الجنرالات تمت إقالته ومطاردته وحزبه .. حزب الرفاه الاسلامي. لكن هذا النموذج اندحر من خلال وعي الإسلام السياسي التركي الذي استخدم أدوات العلمانية وديمقراطية الدولة للإطاحة بالجنرالات ومن معهم، وللحديث صلة. [email protected]