تعتبر وزارة المالية بمثابة بيت مال المسلمين الذي أصابه ما أصابه من التشققات والتصدّعات؛ والذي يجب أن يعنى بحملة واسعة لترميمه وصيانته والحفاظ عليه من السقوط الوشيك لأهمية الدور المعتاد لهذا البيت في مجال إعداد الخطط والبرامج والسياسات المالية والاقتصادية الهادفة إلى تحسين الموارد العامة وترشيد أوجه الإنفاق والصرف وتحقيق جوانب التنمية الرأسمالية والاستثمارية في مختلف المجالات التي مازالت بلادنا في حاجة ماسة إليها كمشاريع المياه والكهرباء والطاقة والصناعة والزراعة والتعليم والصحة والسياحة والثقافة والاتصالات والمواصلات والنقل وغيرها من المجالات الإنمائية التي توقفت معظم مشاريع إنجازها خلال العام الماضي بسبب الأزمة السياسية التي أدّت إلى تردّي الأوضاع المالية والاقتصادية في البلاد وإثقال كاهل الخزينة العامة للدولة بخسائر جسيمة تقدّر بعشرات المليارات من الدولارات وفقاً للإحصاءات الأولية لبعض الدراسات الاقتصادية والتي سوف تؤثّر على برامج التنمية لسنوات عديدة قادمة. وبالرغم من أهمية وزارة المالية ودورها الفاعل والمأمول لإعادة ترتيب الأوضاع المالية والاقتصادية وتوفير المتطلبات العامة للتنمية إلا أنها هي الأولى في حاجة ماسة لترميم وصيانة ما لحق بها من خراب ودمار على أيدي رموز فساد القيادات الوزارية السابقة التي حوّلت الوزارة إلى كنتونات صغيرة وأشلاء متناثرة وقطاعات متباعدة وإدارات متداخلة ومتشابكة في مبانٍ ومنشآت مبعثرة هنا وهناك في أكثر من منطقة تعمل بمعزل عن بعضها البعض ودون أي تنسيق مباشر مع بقية كيانات الوزارة بخلاف بقية الوزارات والأجهزة الحكومية التي تعمل تحت سقف واحد وتحت إشراف ورقابة قيادة إدارية موحدة ومنظمة. وقد ترتّب على الوضع المبعثر للوزارة وتناثرها في عدة مبانٍ ومنشآت متباعدة الكثير من الانعكاسات السلبية على مستوى أدائها وضعف دورها الرقابي على أجهزة الدولة ومرافقها الإدارية والاقتصادية التي تأثرت هي الأخرى بتلك الانعكاسات السلبية التي أدت إلى ظهور وتنامي وتزايد انتشار مظاهر الفساد المالي والإداري في تلك الأجهزة والمرافق الحكومية؛ نتج عنها انكماش وتراجع حجم مواردها المختلفة، وتزايد وارتفاع معدلات الصرف والإنفاق فيها بأشكال جنونية وخيالية تمخض عنها ارتفاع معدلات عجز الموازنة العامة من عام إلى آخر وبالتالي ارتفاع معدلات الفقر والبطالة في المجتمع وبالأخص في أوساط شرائح الشباب الذين تزايدت حدة غضبهم وسخطهم ودرجة الاحتقان لديهم ما أدّى بهم إلا الاندفاع والخروج الجماعي في مظاهرات ومسيرات حاشدة تجوب شوارع اليمن ومدنها في مختلف المحافظات مطالبة بالتغيير والإصلاح ومحاسبة رموز الفساد والفاسدين، وتحولت تلك المظاهرات والمسيرات إلى ثورة عارمة لإسقاط النظام برمّته، وكان ذلك هو الهدف الأول لثورة الشباب الذي تحقق الجزء الأكبر منه خلال بضعة أشهر من اندلاع الثورة. أما الجزء الآخر من التصدّعات والخراب والدمار الذي تعرّضت له وزارة المالية خلال سنوات الفساد والإفساد فقد تمثّلت في الكثير من المخالفات والتجاوزات ومنها إخضاع عمليات التوظيف وكذا سياسة التعيينات والتسويات الوظيفية والإدارية إلى معايير وأسس ومبادئ خاصة كالوساطة والمجاملات والمحسوبية وأولويات منح تلك المزايا لذوي المودة والقربى من باب “الأقربون أولى بالمعروف”!!. فصارت بذلك القيادة الإدارية للوزارة محصورة في أيدي شلل وفرق وجماعات من الأهل والأقارب وأبناء القرى والعزل والنواحي التي تنتمي إليها القيادات العليا للوزارة والمتعاقبة عليها طيلة السنوات الماضية. وقد لمس ذلك معالي الوزير الجديد صخر الوجيه الذي بادر منذ الأيام الأولى لتولّيه زمام الأمور في الوزارة بإصدار تعميم إلى وكلاء الوزارة ومساعديهم يتضمن بعض الجمل والعبارات والأساليب اللازمة التي يجب مراعاتها عند تحرير وصياغة المذكرات والتقارير التي يجهلها معظم المدراء العموم والموظفين ناهيك عن المهارات الأساسية للتعامل مع مختلف الجهات الخارجية!. ومع ذلك فقد لوحظ عدم فهم مدراء العموم وموظفي الوزارة ما تضمّنه تعميم معالي الوزير من تعليمات وتوصيات لتحسين مستوى العمل والأداء، حيث ظل الوضع كما هو عليه من الجهل والغباء لمختلف الأمور، وانعكس ذلك سلباً على آلية إعداد وصياغة المراسلات الخارجية؛ ومنها على سبيل المثال ما تلقّته هيئة مكافحة الفساد من رسائل تتعلق إحداها بطلب بعض البيانات المالية لإعداد موازنة 2012م بعد مرور ما يزيد عن شهرين من انتهاء الوعد الدستوري لتقديم الموازنة إلى مجلس النواب لإقرارها، وقد جاءت هذه المذكرة تحت توقيع نائب وزير المالية والتي كان يفترض توقيعها من الوزير نفسه كونها تتعلق بموضوع الموازنة لعام جديد مقبل من عهده الميمون!!. أما المذكرة الأخرى فتتعلق بنفي ما تقدم به أحد موظفي الوزارة من بلاغات حول فساد القيادة السابقة للوزارة وبالأخص فيما يتعلق باستحداث عدة إدارات عامة، وتعيين العشرات من المدراء العموم ونواب المدراء العموم خارج إطار اللائحة التنظيمية للوزارة وبالمخالفة لقرار رئيس الجمهورية رقم (14) لعام 2011م بشأن إقالة الحكومة وتكليفها بتسيير الأمور العامة عدا التوظيف والتعيين والنقل في إطار الوظيفة العامة، وقد أعدّت مذكرة الرد المشار إليها من قبل مستشار الوزارة المتقاعد الذي تعمّد إقحام معالي الوزير الجديد صخر الوجيه لتوقيع المذكرة المشار إليها بالرغم من أنها تتعلق بقضية محددة مع قيادة الوزارة السابقة والتي كان يفترض التوقيع عليها من قبل النائب منعاً لإحراج الوزير حول هذا الموضوع الذي يعتبر نوعاً من أساليب الجهل والفساد التي تمارسها الوزارة حتى من قبل كبير مستشاريها المذكور الذي قام بهذا الدور خدمة للوزير السابق الذي منحه عقد عمل أو تمديد فترة عمله كمستشار رغم بلوغه أحد الأجلين وكذا منحه مكافآت وحوافز ومزايا شهرية خيالية يحلم بها أي وزير وتكفي لتوظيف عشرة من الخريجين الباحثين عن وظائف شاغرة علاوة على غض الطرف عن إلزامه بتسليم ما بعهدته من السيارات التي صرفت له خلال فترة عمله كوكيل سابق للوزارة، وهذا ما يتحتم على الوزير الجديد التنبّه إليه والحذر منه، والعمل على تطهير الوزارة من عناصر ورموز الفساد التي من شأنها إعاقة تقدّمه خطوة واحدة لمعالجة أوضاع الوزارة وتطهيرها من الفساد والخراب الذي لحق بها منذ عدة عقود مضت. وكان الله في عون الوزير الجديد لما فيه الصالح العام.