لماذا نطالب قيادات المؤسسات الإعلامية الرسمية في بلادنا بترشيد الخطاب الإعلامي والالتزام بالحيادية وعدم تحويلها إلى صورة شبيهة بالصحف الحزبية والأهلية؟!.. وهل يخطىء البعض عندما يحتج على تسييس الأخبار في الصحافة الرسمية وتوظيفها بما يؤدي إلى الإساءة لطرف من الأطراف السياسية في البلد وبطريقة تعكس الاستقصاد الواضح وتوحي للقارئ والمتلقي بأن هذا الطرف أصبح هدفاً للإساءة وبوضوح؟!.. وعندما يقول البعض بأنه لم يعد في أية دولة ديمقراطية صحافة مملوكة للحكومة سوى في البلدان الأكثر تخلفاً في العالم الثالث - ومنها بلادنا - هل يعني ذلك بالضرورة تحرير الإعلام الرسمي بين ليلة وضحاها وفي بلاد لم تعِ قياداتها «الثورية» وغير الثورية بعد ماذا تعني الحرية، ومتى تبدأ ومتى تنتهي؟!.. وهل يعي هؤلاء الكتاب الذين ذهبوا لوصف جزء من أبناء الشعب ب«البلاطجة» لمجرد احتجاجهم على الإساءات المقرفة والاستقصاد الواضح والمعلن ضد رئيس الجمهورية وفي الصحف الرسمية الممولة من الخزينة العامة للدولة؟ هل يعون أن الحرية لا تعني الإسفاف والبذاءة بقدر ما تعني احترام الآخر أكان رئيساً أو مواطناً، كما أنها لا تعني الانتقاد الجارح بقدر ما تعني الانتقاد البناء؟!.. ومتى يدرك هؤلاء بأننا مازلنا نعيش في مجتمع قبلي متخلف وفي وطن يمر بأصعب مراحله منذ قيام الثورة اليمنية إلى اليوم ومهدد بالتفتت والانقسام والتشظي، الأمر الذي يتطلب النظر إليه نظرة حرص ومسؤولية، والعمل على إخراجه من أزماته المتعددة بدلاً من اللجوء إلى الخطابات الثورية البائسة التي لا تعي خطورة الانقسام الشعبي الحاصل ولا تعي ماذا يعني وطن، وماذا يعني الاصطفاف لمواجهة التحديات؟!.. كل تلك التساؤلات التي بدأت بها ليس الهدف من ورائها الدخول في جدال مع البعض من الزملاء والكتاب الصحفيين بقدر ما أهدف من ورائها إلى استشعار المسؤولية تجاه المرحلة الخطيرة التي تمر بها بلادنا، وتستدعي من قيادات المؤسسات الإعلامية الرسمية أولاً النظر إلى المصلحة الوطنية قبل النظر إلى المصالح الشخصية وطموحات البعض وآمالهم أياً كان نوعها أو شكلها. ليس في مصلحة اليمن واليمنيين أن تتحول الصحافة الرسمية إلى ند وخصم لمجرد أن كاتباً ما يحلم ألا تكون هناك صحافة حكومية في دولة مازالت ديمقراطيتها ناشئة ومهددة بالأخطار، وفي الوقت الذي مازالت فيه الحرية مشتتة الأحرف ومجزأة الكلمات وتبحث عن هوية!.. أقول ذلك لأني واحد من الذين يتمنون من الصحافة الرسمية اليوم وفي ظل الوضع المرحلي الخطير الذي نعيشه ونسكنه خوفاً يملأ قلوبنا وعقولنا أن تبعث فينا الحياة من جديد.. أن تبعث فينا الضوء وتجعلنا نقف أمام الكلمة بمسؤولية.. الكلمة التي تبحث عن الذات وتستوقفنا مع الوطن الواحد الكبير.. الكلمة التي تغرس فينا روح الولاء والانتماء للوطن الذي نرى اليوم بعض أبنائه ينهشون في جسده قبل الأعداء.. الكلمة التي تهدف إلى ترسيخ قيم المحبة والإخاء والتسامح بين أبناء الشعب جميعاً دون استثناء. أتمنى على الصحافة الرسمية وأنا عندما أقول ذلك لست ضد انفتاحها على كل ألوان وأطياف العمل السياسي وكل الآراء أن تعمل على تبني خطاب وسطي جامع غير مشتت، يحمل بين أسطره ما ينفع الناس ويمكث في الأرض بعيداً عن مدارات السفهاء ومتاهات الحالمين بالتشظي والانكسار. أن تعمل على بناء الكلمة الحرة التي توحد ولا تفرق، تنور ولا تنفر، وتبني ولا تهدم.. وهي أمنيات فرد من أبناء هذا الشعب الذي يحز في نفسه أن يرى الكلمة النقية التي تتبناها مؤسساتنا الصحفية الرسمية وقد انزلقت وسقطت في مهاوي الإثارة. والأمل مازال يسكنني بالتأكيد في أن أرى مؤسساتنا الصحفية الرسمية منبراً حراً لكل الآراء، بعيداً عن الغلو والشطط، وعن إثارة الكراهية والأحقاد، وبعيداً عن كل المسميات والصفات الجارحة التي لا نقبل بها مطلقاً.. نعم مازلنا نأمل أن تكون مؤسساتنا الصحفية الرسمية هي صاحبة السبق في صياغة واقع صحفي آخر حتى وإن تأخر قليلاً عن موعده. [email protected]