كثيرون من العرب يعرفون أن الإصدارات الصحافية في اليمن قد تعدت حاجز المائتي مطبوعة ولايزال العشرات يتظاهرون للحصول على تراخيص إضافية، منها لإذاعات محلية وأخرى لقنوات فضائية ومواقع الكترونية والحبل على الجرار . وكثيرون هم العرب الذين يعرفون مساحة حرية الرأي في الصحافة اليمنية التي لا تغفل كبيرة أو صغيرة إلا وأوردتها، ولا تعذر وزيراً أو سفيراً أو غفيراً إلا وتناولته بالنقد والتجريح ، ولا يسلم من أقلام صاحبة الجلالة رئيس البلاد ومعه رئيس الحكومة ولا بأس ان تمر هذه الحرية على الطواقم الرئاسية والوزارية وموظفي الدولة على حد سواء بالنقد والتقويم حيناً وبلغة الإساءة والشتيمة أحياناً كثيرة!. البعض من العرب ومنهم مسؤولون يعرفون سلاطة لسان صاحبة الجلالة في اليمن .. حتى ان هؤلاء طالبوا المسؤولين اليمنيين في مرات عديدة بتشذيب هذا الخطاب ، حيث لا يجوز - في الأعراف والتقاليد- الإساءة إلى رئيس البلاد باعتباره رمزاً للوطن .. ولقد أدى هذا النمط المتزايد من الحرية إلى أن يطرح هؤلاء العرب تساؤلاً مكرراً كلما زار بلادهم وفد رسمي من اليمن ومضمونه: هل لا تزال صحافة بلادكم تنتقد رئيس الدولة ؟! والحقيقة فإن أعضاء الوفد لا يجدون ما يجيبون به إلا بالقول: إنه ثمن الديمقراطية .. والرئيس/علي عبدالله صالح يؤكد دوماً بأنه لا تراجع عن الديمقراطية والتعددية الصحافية مهما كانت التبعات، بل يقول أيضاً: «إن أسوأ من الديمقراطية هو التراجع عنها» وهي فلسفة تكشف في الأساس عن التزام صادق بدور الصحافة في انتقاد ظواهر الفساد وتعرية أسبابه ورموزه وكافة الظواهر السلبية في المجتمع . ومنذ نحو أربعة أعوام أطلق فخامة الرئيس/علي عبدالله صالح مبادرة غير مسبوقة تتضمن نصاً صريحاً بعدم سجن الصحافي على ذمة قضايا الرأي . . وبقدر ما يدعو المرء إلى المطالبة بتفعيل هذه المبادرة ثمة حاجة ماسة ومهمة أن يأتي التشريع الجديد مستوعباً تجارب الآخرين ومنها تلك المرتبطة بإقامة المؤسسات الصحافية التي تسهم في تنظيم العلاقة بين مالك الصحيفة والعاملين في المهنة فضلاً عن ترشيد الخطاب الإعلامي ليسمو به من حضيض العبارات الهابطة إلى مستوى التقويم الموضوعي والاستفادة من مخرجات العلم والتكنولوجيا. üüü صحيح لدينا صحف عديدة، وأقلام كثيرة ومساحة من الحرية نقول فيها ما نشاء، لكن الصحيح أيضاً أننا نفتقر إلى المؤسسات الصحافية التي تحول هذه القيم إلى منظومة حضارية ترتقي بالتجربة، ولا تؤدي بها إلى حالة الاحتضار، وبخاصة عندما يفقد القارئ ثقته بهذه المطبوعة أو تلك. ومن الغريب بعد كل ما عرفه العرب عن مساحة حرية الصحافة اليمنية أن نجد بعضهم ممن أحكم إغلاق الأبواب والنوافذ أمام التعددية الصحافية في بلاده - متحسساً بطحة رأسه من إشارة هنا أو كلمة هناك وردت في بعض الصحافة اليمنية !!.