يُحكى أن رجلاً أكل كمية كبيرة من الطعام على غير المألوف، فأثار الموقف استغراب الحاضرين فأراد أحدهم أن يبرر ذلك فقال بأنه مجنون، فرد عليه الآخر بأن المجنون هو الذي قدم له كل ذلك الطعام، فصار المثل الشعبي «مجنون أكل كيلة ومجنون فتَّ له». الحقيقة نحن أمام مشاهد كثيرة من هذا النوع وإن كان أبطالها في الظاهر أصحاب عقول ولكن في الواقع نرى مجانين تأكل ومجانين «تفت» لهم. مجانين تتحدث ومجانين تستمع وترد بأشد منها ولم نجد مستمعاً عاقلاً كما يستوجب الحال لإغلاق باب الشر. في واحد من هذه المشاهد نحن نقف أمام معركة كلامية حتى اللحظة عنوانها «الصور» فتحولت الصورة إلى قضية تعاطى معها الطرفان بأهمية كبيرة جداً على حساب قضايا أكبر وأهم في هذه المرحلة، فالذين أشغلتهم «الصورة» بوجودها أعطوها أهمية قبل غيرها، والذين جاءت منهم ردود الفعل على ذلك النحو المبالغ فيه أعطوا للفعل الأول أهمية أكبر منه، ولذلك نكتشف من خلال ما حدث سلَّم الأولويات والأهداف عند الطرفين.. ولا نتهم أحداً بالجنون في هذه الحالة لا الذي أكل ولا الذي «فتَّ» له، كل تلك الفتة العظيمة وقدمها دون تقدير لمقدار حاجة الرجل للطعام. حكومة الوفاق الوطني جاءت متحمسة فكان من بين أول وأهم قراراتها نقل الراحة من الخميس إلى السبت، وهلّل المهللون بأن حكومة الوفاق حققت منجزاً تاريخياً فجعلت اليمن على تواصل مع العالم وبذلك بدأت مرحلة جديدة ستحقق الرخاء لهذا الشعب. وبعدها بدأت مرحلة النقاش والجدل حول يهودية السبت ونصرانية الأحد، وكلام كثير من هذا الجانب، وبصورة مفاجئة جرى تأجيل نقل الراحة إلى السبت وتراجعت أهمية هذه الخطوة والحماس الذي رافقها، وفي هذه المسألة لا أدري من الذي «فتّ» ومن الذي أكل، ومن الذي لم يأكل؟ قبل هذه الخطوة، كانت خطوة تشكيل اللجنة العسكرية لتحقيق الأمن والاستقرار التي ستعيد البلد إلى عهود العربية السعيدة خلال أيام أو أسابيع على الأكثر، وهانحن على وشك أن تنتهي المرحلة الانتقالية الأولى والأمور معروفة عند الجميع والمتارس على ما كانت عليه إلا القليل اليسير، وثمة مسلحون يجوبون الشوارع كما كانوا بالأمس. وفي هذه الخطوة يصعب عدّ وإحصاء الآكلين والطباخين والخبازين، ولا يمكن أن نقول أن من بينهم أي مجنون وإن كان ولابد من تحديد مجنون فهو كاتب هذه السطور الذي يتوقع أن تكشف الأيام والأعوام القادمة عن أكبر «فتة» شهدها التاريخ وتقدر مساحتها بأكثر من نصف مليون كيلو متر مربع، ولا تسألوا عن أكلة هذه «الفتة» حتى لا تتهموا في وطنيتكم وفي دينكم، وربما يكفّركم البعض، فدعوها مستورة حتى تنكشف، وسيبعث الله «ويكليكس» ينشر وثائق هذه «الفتة» العظيمة أو يبعث خلافاً بين كبار الآكلين فيكشف كلٌّ منهم الآخر وتتضح الحقائق وتظهر الأسرار التي نكذّبها اليوم تحت تأثير جاذبية السياسة والمواقف، ولأن الحسابات الشخصية لم تنتهِ بعد والنشوة على أشدها.