لا شك بأن النجاح في الانتخابات الرئاسية المبكرة يمثل بداية جادة لبناء الدولة اليمنية الحديثة، لأن الانتخابات الحرة والنزيهة المحتكمة للمعايير الدولية هي البوابة الوحيدة للانتقال السلمي للسلطة بغض النظر عن غياب العملية التنافسية، لأن الإجماع الوطني على المرشح التوافقي يعكس رغبة حضارية من أغلبية الأطراف السياسية الفاعلة والمتصارعة على السلطة التي وقعت على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة والملتزمة بقرار مجلس الأمن. أعود فأقول إن التعاون والتكامل في إنجاح العملية الانتخابية سوف يفتح المجال لاستمرار هذا التعاون والتفاعل في بناء الدولة المدنية على قاعدة الانتصار للمواطنة المتساوية والاحتكام لسيادة القانون للمضي قدماً في بناء التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ذات الصلة بتحقيق ماهو مطلوب من حياة معيشية تتجاوز التخفيف من المعاناة إلى الشروع في إعادة قدر معقول ومقبول من الرفاهية المحققة للعدالة والسعادة جنباً إلى جنب مع الانتصار الدائم لقيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان على نحو يؤدي بالتدريج إلى إزالة التناقضات الطبقية ويعيد ماهو مطلوب من التفاوت المحرك للفاعلية في شتى مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المحركة للتغيير والتطور. قد تكون المهمة المنتظرة أمام الرئيس المنتخب وحكومة الوفاق الوطني صعبة وموجبة لتحقيق ماهو مطلوب من الإصلاحات الكفيلة بترسيخ قيم الوحدة الوطنية المنشودة، إلا أن التغلب عليها يحتاج إلى المصداقية والموضوعية المحققة لقدر من الثقة بين طرفي العملية السياسية المنضوية في نطاق الشراكة، بعيداً عن الأساليب والوسائل الانتقامية ذات النوايا السيئة التي تظهر غير ما تبطن وتقول عكس ما تفعل، غايتها الالتفاف على ماهو قائم من الشراكة المقترنة بحسن النية، بعيداً عن تبادل الفعل ورد الفعل الناتجين عن سوء النية القاتلة للمصداقية والموضوعية والثقة، وما قد ينتج عنها في المحصلة المحسوسة والملموسة من غياب لماهو مطلوب من التعاون والتكافل والتفاعل بين أبناء الشعب الواحد. أقول ذلك وأدعو الجميع إلى تغليب الحاضر والمستقبل على ما بينهما من أحقاد الماضي وثاراته التي أسفرت عنها التجربة الماضية المندفعة بدافع ما كان قائماً بينهما من مخاوف وأطماع في السلطة لأن الأزمة السياسية المركبة التي عرضت أمن الوطن والمواطن لأخطار كارثية تضرر منها الجميع ولم يستفد منها سوى الأعداء، ليست خيارات نافعة وقابلة للتكرار مرة ثانية وإلا جعلت الماضي قوة مهيمنة على الحاضر والمستقبل، لأن الصراعات وليدة انفعالات وأطماع قاتلة للحياة والحرية والتقدم لا نتذكر عنها سوى التضحيات الدامية والمدمرة وما نتج عنها من إعادة عجلة التاريخ والتطور عشرات الأعوام إلى الخلف بصورة جعلت العمل ينصرف إلى إعادة البناء الذي هدمته الصراعات والأزمات بدلاً من انصرافه إلى الإبداع والإنتاج، وإضافة منجزات جديدة إلى منجزات قديمة بعد أن كشفت لنا التجربة والممارسة أن الهدم أسهل من البناء مرات عديدة وأن البناء أصعب من الهدم مرات عديدة، لأن واجبنا العمل معاً من أجل استيعاب أولئك الذين لازالوا يغردون خارج السرب مهما كلفنا من تقديم التنازلات السياسية، لأن السلطة والثروة يجب أن تتسع لكافة ما تبقى من قوى معارضة متمثلة بالحوثيين والحراكيين وغيرهم من قوى سياسية وحزبية.