ها نحن الآن أمام تتويج الملحمة الكفاحية الشعبية السلمية التي تقاطعت أيضاً مع الذاكرة السياسية الجمعية اليمانية الحكيمة .. اليوم ندرك أن التضحيات الجسيمة التي قدمها شعبنا على مدى عقود من المعاناة والمظالم تؤتي ثمارها، وندرك أن الناس لا يجتمعون على باطل أبداً، وأن الاستفتاء على انتخاب الرئيس التوافقي عبد ربه منصور هادي هو استفتاء على مستقبل الوطن، وتحديد واضح المعالم لخياراته وآفاق نمائه وتطوره . وكما كانت جماهيرنا بالأمس القريب في مستوى التحدي الكبير، والانتصار العظيم لمنطق الحق والسلم والتضامن، ها هي في يوم الثلاثاء المشهود تؤكد هذه الحقيقة، وتُحاصر الأصوات المغردة خارج السرب العام. تلك التي تبدو كما لو أنها بقعة داكنة في ثوب ناصع البياض. الزمن اليماني الجديد يتسع لمعنى المواطنة العصرية .. للنظام والقانون الذي سيحكم العقد الاجتماعي المُتجدد للأمة .. للمشاركة الواسعة عطفاً على آلية دولة اتحادية عصرية تغُادر الماضي السلبي غير مأسوف عليه .. للمؤتمر الوطني الشامل الذي يتسع لكل أبناء الوطن من خلال ممثليهم الرائين لمعنى التطور والنماء .. للدستور الجديد الذي سيؤصل معنى القانون بوصفه المرجعية الكبرى في مُناجزة التحديات . هذا اليوم الأربعاء الموافق 22فبراير من عام 2012 الميلادي هو يوم التتويج الكبير للثورة الشعبية الشبابية السلمية، كما أنه رافعة أمل وانطلاق مؤكدة لأيام قادمة ستكون حافلة بالعطاء والنماء. أقولها وأنا على ثقة ويقين بأن مُقدمات هذا النماء كامن في جغرافيا المكان والزمان، فاليمن النابع من ثقافة عمل تاريخية يشهد لها القاصي والداني، يتمتّع أيضاً بمقدمات تنمية افقية راسخة، مداها المساحة الجغرافية التي تصل إلى 555 ألف كيلومتر مربع، بتنويعات بحارها وسهولها ووديانها وجبالها وجزرها، بالإضافة إلى تنوعها المناخي الفريد، ومايكمن في باطن أرضها من معادن تتحرق شوقاً لمن يبحث عنها ويُجليها. أما العمق الديمغرافي فإنه الحاضن الأكبر لتأمين سوق عمل وتصريف وإعادة إنتاج حيوي تفتح الباب لتنمية حقيقية مستدامة، وأيضاً وليس آخراً الحضور المهجري الكبير الذي يتمدد بإمكانياته الاستثمارية والعلمية والعملية، مما يضعنا في المحصلة أمام منظومة واسعة من منصات الانطلاق المتين نحو تنمية مستدامة تُغالب الماضي البائس وتضعنا في طريق الألف ميل السالك. لكن هذه الآمال العريضة والتباشير النائرة دونها العمل الصبور الدؤوب والمثابر، لبناء دولة عصرية تعتمد نظاماً اتحادياً صافياً ونقياً كالبلور، نظاماً يُخرسن التجربة ويحقق الأحلام الألفية الفاضلة، رغماً عن العواصف والأنواء. [email protected]