أتحدث هنا بصفتي اقتصادياً درس الاقتصاد الدولي في واحدة من أعتى جامعات اوروبا، وبحث في العلوم المالية الصرفة أثناء كتابة رسالة الماجستير، وفي فلسفة التكامل الاقتصادي أثناء بحث الدكتوراه. بالإضافة إلى معرفة ميدانية أكيدة بتضاريس الجغرافيا الاقتصادية اليمنية الواعدة. ومن هذه المنطلقات أرى وطني بعكس ماهو عليه، خاصة إذا توفرت الارادة السياسية المقرونة بهمة الاعتراف والتخلّي عن السيئات، وتم الانتقال إلى آلية دولة اتحادية لا مركزية، وتم الأخذ بأسباب الصيانة والاحترام لقوانين الدولة المسطورة والمُجمع عليها، وتم الاستبعاد الاجرائي للصوص المال العام، المُتدثرين بنياشين الدولة ومراسمها، وكان المستقبل رائدنا في النظر إلى ما نحن عليه من بؤس . عندما أقرأ اليمن الجديد، أرى بعين اليقين أن المساحة الجغرافية الكبيرة والمتنوعة، بالإضافة إلى العمق الديمغرافي المحتشد بالمهارات والعلوم والخبرات وثقافة العمل اليمانية التاريخية .. أراهما بمثابة الوعاء الأكبر للتنمية الزاهرة، فنحن نتحدث عن 555 ألف كيلومتر مربع، وحوالى 300 جزيرة تنتشر على مدى 2500 كم من امتدادات السواحل اليمنية الزاخرة بالخيرات، وأرى بروح الواثق المطمئن أن كل مربع في هذه الارض يعتمر بأفضليات تنموية، وقابليات للنماء الافقي الكبير، إذا ما تمّ تجاوز الخلل الهيكلي الكبير في بُنية الدولة. اليمن القادم لن يكون فقيراً، ولن يُشار لنا بالبنان على موائد التسوّل الدولي للمساعدات، ولن نحتاج لإعادة انتاج حياتنا الطبيعية، عطفاً على مضاربات البورصتين السياسية والمالية الدولية، ولن نرى الأُمية تتفشّى كما لم يحصل في أسوأ أيام التشطير، ولن نواجه مئات آلاف الخريجين المؤهلين من الجامعات والمعاهد وهم على قارعة الطريق تتنهّبهم الأنواء والاحباطات، والشعور بالظلم والقهر . لكن، أمام هذا المنجز الافتراضي، والقابليات الواقعية جبال وهضاب دونها خرق القتاد. لقد تم الافصاح عن سلسلة من المبادرات والاصلاحات، فلم لا يتم الشروع بها رغماً عن الاحتقان الماثل، ولم لا تكون الخطوة نحو الدولة الاتحادية اليمنية الموحدة سياجاً لحماية الوطن قبل أن نقع في مالا يحمد عقباه ؟ على العقل السياسي القابع في قلب الأزمة ومقتضياتها التحرر فوراً من ثقافة المكائد والتكتيكات الخائبة، ولا بد من رمي إدارة الأزمات بمزيد منها في مزبلة التاريخ، والكلام موجه أولاً وثانياً للمعنيين بالحكم والحكومة، ممن عليهم قراءة منطق التاريخ بروح التخلّي والتسلّي، فمن المُشرّف والمُجدي ألف مرة ترك الميدان للشعب بدلاً من الإقامة في ذلك المنطق الذي استنفد أسباب بقائه. [email protected]