علماء التاريخ الرائون لأمره عبر الفلسفة يقعون دوماً في حيرة دائمة حول معنى الوجود وتفسير الظواهر الغرائبية التي تحيط بالإنسان دوماً ، ولا تتركه ينعم بالسعادة ، وهم في هذا الحال لا يختلفون عن المتناقضين معهم حتى مخ العظم ، ممن يصدرون عن ثقافة الجواب الجاهز ، وهم الآخذون بأديان الشرائع المكتوبة، لا أديان الحقائق المسطورة في رقوم الغيب ، والشاهد أن الفيلسوف المتسائل المحتار يتوافق من طرف خفي مع ذلك القائل بوجود الجواب الناجز من خلال ثقافة التفسير والتأويل للأصول الدينية ، حاملين معهم أسفار المدونات كما تحمل الدواب أثقالها. كلا المعسكرين لا يجدون خلاصاً دنيوياً، ولا ضماناً في الآخرة ، لأنهم يتباعدون عن المنابع الصافية ، ويشربون من مياه الروافد العامرة بالشوائب ، فيسكرون بفعل الرواسب والطحالب ، حتى يتعتعهم السكر ، فلا يكادون يبصرون الحقيقة الأزلية . القاسم المشترك الأعلى بين المتفلسف المعتد بالبرهان العقلي الصرف ، والمتدين المقيم في مرابع قراءته الضيقة لمقاصد الشريعة يتلخص في حياتهما التي تقودهما إلى معاداة الآخر ، والتخلي عن نواميس الحب والمحبة الضامنتين لتوازن الوجود والغيوب معاً. المتصوفة المتروحنون هم الذين نهلوا من صفاء المنابع ، وشربوا من كؤوس اللطائف ، فأعتقوا واعتتقوا ، وكان التخلي والتسلي والتملي ديدنهم ، وكان إدراكهم لجواهر المعاني رافعتهم الكبرى لمعرفة الوجود وكنهه ، فالوجود لإيقف عند تخوم الظاهر البارز ، ولا في الغائب الخافي ، بل فيهما معاً ، وما يتجاوزها حيث الخفاء وأخفى. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك