تتلخص الحقائق الأربع النبيلة عند البوذيين في جُملة بسيطة تستلزم الاعتراف والإدراك بوجود المعاناة كحالة لصيقة بمعارج الوجود الآدمي، كما أيضاً الإقرار بأن هذه المعاناة يمكن إزالتها من خلال تلمُّس الطريق نحو الحقائق الأربع النبيلة، وهي على النحو التالي: الحياة كلها معاناة، لكنها ليست تعاسة بالضرورة، خاصة إذا أدركنا الكيمياء السحرية للوصول إلى السعادة . المعاناة رديفة الجهل والاعتقاد الواهم بأننا نستطيع تملُّك العالم الحقيقي والجوهري من خلال المحسوس والمعلوم، ومن هنا نُلاحظ النزعة الميتافيزيكية القوية للتعليم البوذي الرائي للحقيقة الجوهرية خارج المحسوس والملموس، وبالمقابل اعتبار الغيوب وانبثاقاتها الإشراقية مصدراً حقيقياً لما هو جوهري وأصيل. كل فرد بحاجة إلى معلم يقوده في الطريق إلى تجاوز المعاناة من خلال الحكمة والتخلّي والتسلّي والتأمل، والسفر في الجواني وترك البرّاني . بهذا المعنى يمكن إزالة المعاناة من خلال الدّربة الروحية التي تجعلنا قادرين على ترك المعادلة السلبية السائدة، وهي أننا نتمنّى السعادة فيما نركض نحو المعاناة. يلخص البوذي دربه لنيل السعادة الحقيقية فيما يُسميه “سوق البراري” التي فيها نستبدل المعاناة بالسعادة الحقيقية، عبر مقايضة ناجزة بين الأنا المُرهقة بتنكُّبات الوجود، والنيرفانا الصادرة عن دواخله الرائية لمعنى السعادة الحقيقية . يعتقد البوذيون أن درب الحقائق الأربع تُعيد توازن الانسان روحياً وجسدياً، وتمنحه طاقات وقدرات جديدة، بل تُساهم في إعادة صياغة أعضائه الداخلية المُهيمنة على تفكيره وعواطفه. وفي نهاية المطاف يقرون بأن السكينة الداخلية هي الوسيلة الحاسمة لنيل مثابة السعادة وهزيمة المعاناة . مما سبق يمكننا إدراك المحتوى الناظم لديانتي الشنتو والبوذية السائدتين في اليابان، ويمكننا التأكيد مُجدداً على أن هاتين الديانتين ليستا ديناً بالمعنى المعروف في أديان السماء المُشرْعنة بالتفسير والتأويل والكلام، وليستا أيضاً فلسفة وجود تفتح سؤالاً فلسفياً لا نهائياً لا جواب عليه. ذلك يضعنا أمام كوة الضوء الخاصة بثقافة أهل اليابان والتي تتلخّص في الوجودية الإنسانية المُتروْحنة بالعمل والعطاء والدّربة والصبر، والمتوازية مع قبول “أعيان المُمْكنات” في الحياة، وملاحظة “ الجمع في عين الفرق” مما ينعكس في المفاهيم الكُلّية للقوة والمنعة والخلاف والاختلاف، بل وكيفية صياغة النظر للأنا المتحررة من عقدة الغيرية السائدة في بعض الثقافات.