كغيره من المتأمّلين المُتفكّرين في أحوال الكون والوجود كان «بوذا» حائراً مُحتاراً.. مُقيماً في أصل السؤال المركزي لماهية الوجود، ومعنى تناوب الحياة والموت، وكيف يمكن إدراك صيرورة الظواهر، والإمساك بقوانينها الناظمة لوجودها وانحسارها، وغيرها من الأسئلة. ما ساعد بوذا على الذهاب بعيداً في تأملاته أنه كان «براهمياً هندوسياً» ثم وجد نفسه على حين ومضة من الدهر في حالة تماهٍ وجداني وروحي مع وحدة الوجود، وبالمعنى البوذي للكلمة، ذلك أنه تجاوز الإله الهندوسي «براهما» ليقول إن الإنسان هو إله ذاته!. أي أنه استبعد الأجوبة الميتافيزيكية المرتبطة بأديان السماء ليقول إن الجواب يكمن في الذات البشرية المتصلة بالطبيعة. كانت تلك اللحظة من التأملات الفلسفية بمثابة نكران لآلهة السماء كما افترضنا سابقاً، لكنها كانت أيضاً سبباً في تأليه بوذا ذاته، فأتباعه الذين استبدلوا التجريد بالتجسيد أصبحوا يعبدون بوذا بدلاً عن آلهة الشرائع السماوية التي سارت قدماً في أربع أرجاء المعمورة. الفرق الجوهري بين مُتعبدي بوذا ومُتعبدي آلهة الشرائع هو أن البوذيين لا يُعوّلون كثيراً على حياة أخرى راسخة ودائمة، وذلك استناداً إلى مقولات بوذا الرائية لتناسخ الحياة والموت، وتناسخ السعادات والآلام، ودونما توقف. وبالتالي فإنهم يرون الخلاص في الاستواء عند عوالم الأنا الصابرة المُثابرة، العاشقة للطبيعة، وبالمقابل ترى أديان السماء أن الحياة الأولى ليست إلا جسر عبور لحياة أُخرى، وأن تلك الحياة الأخرى هي دار للنعيم أو الجحيم، وذلك بحسب أعمال الإنسان في حياته الفانية الدنيوية. تقلّب بوذا في مراجل الحيرة، ودوائر المدارات الفلكية، فاستقر به المقام في «أناه» المُرهقة تأملاً وتفكيراً، فباح بما جاد به عليه الدهر، وترك في العالم أكثر من 400 مليون تابع ينتشرون في سلسلة من البلدان الآسيوية، غير أن معتنقي البوذية الآسيوية ليسوا كالتاويين الصينيين، مما سنأتي على بيانه لاحقاً. [email protected]