الصيام عبادة معروفة لدى كل البشر، وفي جميع الأديان، حتى الأديان البدائية عرفت الصيام، وكان الإنسان البدائي يصوم لفترة قد تطول أو تقصر في سبيل استكشاف طوطمه الخاص ولأسباب أخرى. والمتأمل في الصيام لدى البشر يجد الإفراط والتفريط في أكثر من صوره، ويجد الصيام الوسطي المعتدل بشروطه المعقولة والرحيمة في الإسلام دون سائر الأديان. ففي الأديان البدائية كانت أيام الصيام كثيرة، وكان يتوجب على الكاهن ليثبت أهليته لمنصب الكهانة أن يصوم أياماً طويلة متتالية، ولكي يثبت الكاهن صدق صيامه الطويل بدليل مادي كان يعمد إلى عقل لسانه بقطعة من الخشب تخترق اللسان وتربطه بالشفتين، ابتداءً من اليوم الأول للصيام وحتى آخر يومٍ في صيامه الذي قد يستمر أسبوعاً أو أكثر، وفي حالة عجزه عن إتمام الصيام كان عليه أن يكفر عن هذا العجز بحبس نفسه سنة في دهليز أحد المعابد! وكان صيام الكهنة يعني الحرمان التام من الطعام والشراب والكلام والعمل! والديانة الهندية البرهمية عرفت هي الأخرى ألواناً قاسية جداً من الصيام، ففي هذه الديانة يوجد صيام معلوم البداية والنهاية، وصيام معلوم البداية غير معلوم النهاية؛ لأن نهايته مرتبطة بنهاية حياة الإنسان ذاتها!. وسبب ذلك أن فلسفة هذه الديانة تقوم على أن الغاية النهائية للإنسان هي أن يمتزج (يتحد) ب (براهما) إلههم المعبود، وبذلك يتخلص الإنسان من شقاء التناسخ، ولكي يصل الإنسان إلى درجة الاتحاد بالإله (براهما) يجب عليه أن يصوم أربعة عشر يوماً حتى يوهب البصيرة التي يدرك بها (براهما) ويتحد معه في النهاية. وهكذا ترتبط نهاية هذا الصيام بنهاية الإنسان نفسه، ولا يعد ذلك أمراً سيئاً في نظر معتنقي هذه الديانة، مادام ذلك سيفضي إلى مرحلة أخرى من الاتحاد بالإله (براهما) وبدأ حياة جدية خالدة وخالية من العذاب والتعاسة! وفي الديانة (الجينية) يعتبر الصيام لدى أتباع هذه الديانة الوسيلة المثلى والخطوة الأولى نحو الخلاص (الموت)! وفي إحدى ديانات لفارس القديمة (المانوية) يقوم مبدأ الخلاص على أساس إنهاك الجسد طلباً لخلاص الروح، وفي سبيل تحقيق هذه الغاية استخدمت المانوية الصيام كوسيلة لإنهاك الجسد عبر حرمانه الطويل من كل اللذائذ والطيبات. وفي الديانة البوذية نجد (بوذا) قد صام صياماً طويلاً في بداية نسكه، ولكنه كفر بعد ذلك بالصيام ونهى عنه ولم يرَ فيه أية فائدة تستحق الذكر! ومع ذلك فهنالك من أتباعه فرقة بوذية فرضت الصيام الأبدي على نساكها، وحرمت عليهم أن يطعم الواحد منهم سوى وجبة واحدة في وقت الضحى طيلة حياته! [email protected]