ارتبط الصيام لدينا في الثقافة الشعبية بالأزمات والشدائد، وأصبح الناس يلجأون إلى الصيام في الأوقات الحرجة طلباً لتفريج الكربات ودفع البلاء عن أنفسهم أو عمن يحبون... وهذا السلوك قد يجد البعض له تبريراً من الناحية الشرعية من خلال الربط بين الدعاء والتضرع إلى الله وبين ما جاء في الأحاديث الصحيحة من أن للصائم دعوة مستجابة عند فطره. غير أن الملفت للنظر وجود هذا الارتباط بين الصيام وبين طلب تفريج الشدائد والأزمات في معتقدات وأديان شتى.. فلقد ارتبط الصيام لدى القبائل البدائية بالحاجة والاضطرار كحاجة القبيلة إلى المطر، أو حاجة الفرد إلى اكتشاف طوطمه الخاص. وفي إنجيل برنابا نجد عيسى عليه السلام يأمر بني إسرائيل وقد حل بهم القحط أن يصوموا عشرين يوماً؛ لكي ينالوا رحمة الله فيكشف عنهم ما نزل بهم من ضر. لكننا لا نكاد نجد مثيلاً لليهود في هذه المسألة؛ فقد ارتبط الصيام لديهم بتفريج الشدائد، وكان اليهود كثيراً ما يلجأون إلى الصيام إذا ما داهمهم خطر، أو تعرضوا لتهديد، أو حلت بهم مصيبة، ولذلك أصبحت أيام الصيام لدى اليهود مرتبطة بنكباتهم ومآسيهم التاريخية لاسيما في العهد البابلي، بحيث يمكن أن يقال: إن الأيام التي يصومها اليهود هي تذكار بما تعرضوا له من مآسٍ وخطوب. ففي سفر إرميا نجد اليهود وقد تعرض معبدهم للحرق والهدم على يد ملك الفرس ينادون بالصيام ويعكفون على البكاء وارتداء ملابس الحداد مع الصوم والتضرع هم ونساؤهم وأطفالهم. وحين تعرّضوا لمؤامرة تستهدف استئصالهم من جميع ممالك بلاد فارس تنادوا فيما بينهم للصيام وصاموا ثلاثة أيام، واستطاعت اليهودية الجميلة (أستير) أن تنقذهم من مؤامرة الاستئصال، وبقي ذلك الصيام فيهم إلى أيامنا هذه مع عيد يحتفلون به هو عيد (الفوريم) كتذكار بتلك الحادثة التاريخية. ولقد فرض الحاخامات على اليهود أن يصوموا في التاسع أو العاشر من الشهر الخامس (آب) في ذكرى تدمير بيت المقدس. وأُطلق على هذا الصوم: (صوم الخامس) أو (التاسع من شهر آب) وهو يعد يوم حزن وألم على فقدان بيت المقدس ( سفرإرميا 52 : 12 - 13). وإلى جانب هذين اليومين نجد ثلاثة أيام يصومها اليهود وهي: 1/ السابع عشر من الشهر الرابع (تموز)، في ذكرى نهاية حصار البابليين لسور مدينة القدس(أورشليم) وتضييق الخناق على السكان اليهود قبل تدمير بيت المقدس الأول عام 586 ق.م. وأطلق على هذا الصوم: (صوم الرابع). 2/ العاشر من الشهر العاشر (طبت) في ذكرى ابتداء حصار البابليين لأورشليم وأسوارها الذي قاده نبوخذ نصر ملك بابل، وأطلق على هذا الصوم: (صوم العاشر). 3/ الثالث أو الرابع من الشهر السابع (تشري)، صوم ذكرى اغتيال جدليا ورفاقه على يد إسماعيل بن نتانيا الذي كان يهودياً من ذرية داود عليه السلام. وكان جدليا آخر قواد اليهود في الأراضي المقدسة بعد تهجير كثير من اليهود إلى بابل وتدمير البيت المقدس، وأطلق على هذا الصوم: (صوم السابع). والذي يتتبع صيام اليهود يجده في أكثر أحواله مرتبطاً بالشدائد والنكبات التي حلت باليهود في أنحاء شتى من العالم من القديم، ولم يرتبط الصيام بالشدائد والأزمات في دين من الأديان كما في الديانة اليهودية، حتى أصبحت أيامه لدى اليهود مرتبطة بالحزن والحداد، وعلامة تذكارٍ على المآسي والخطوب. [email protected]