الصيام بوجه عام فرض على غير المسلمين من الأمم السابقة كما قال تعالى: «ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون».وليس في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية بيان كيفية صيام السابقين، وإن كانت الآية تقول عن مريم عليها السلام كما أمرها الله: «فإما ترين من البشر أحداً فقولي إني نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم إنسياً» وهو في ظاهره الإمساك عن الكلام وقد يكون عن أشياء أخرى، وأخبر الحديث المتفق عليه أن داود كان يصوم يوماً ويفطر يوماً. والصوم في الإسلام إمساك عن الطعام والشراب والشهوة الجنسية من طلوع الفجر إلى غروب الشمس وصوم الأمم السابقة مختلف في موقعه من شهور السنة وفي مدته وفي كيفيته.. وعرفنا من صيام السابقين صوم عاشوراء عند اليهود شكراً لله على نجاة موسى عليه السلام من الغرق كما ثبت في الحديث الصحيح وماسوى ذلك يعرف من كتبهم واليهود المعاصرون يصومون ستة أيام في السنة وأتقياؤهم يصومون شهراً وهم يفطرون كل أربع وعشرين ساعة مرة واحدة عند ظهور النجوم ويصومون اليوم التاسع من شهر أغسطس كل سنة في ذكرى خراب هيكل أورشليم.. والنصارى يصومون كل سنة أربعين يوماً وكان الأصل في صيامهم الامتناع عن الأكل بتاتاً والافطار كل أربعة وعشرين ساعة ثم قصروه على الامتناع عن أكل كل ذي روح وماينتج منه وعندهم صوم الفصول الأربعة، وهو صيام ثلاثة أيام من كل منها وصيام الأربعاء والجمعة تطوعاً لا فرضاً. جاء في تفسير ابن كثير أقوال عن بعض الصحابة والتابعين أن صيام السابقين كان ثلاثة أيام من كل شهر ولم يزل مشروعاً من زمان نوح إلى أن نسخ الله ذلك صيام شهر رمضان كما ذكر حديثاً عن ابن عمر مرفوعاً أن صيام رمضان كتبه الله على الأمم السابقة. وجاء في تفسير القرطبي أن الشعبي وقتادة وغيرهما قالوا إن الله كتب على موسى وعيسى صوم رمضان فغيروا وزاد أحبارهم عليه عشرة أيام ثم مرض بعض أحبارهم فنذر إن شفاه الله أن يزيد في صومهم عشرة أيام ففعل فصار صوم النصارى خمسين يوماً فصعب عليهم في الحر فنقلوه إلى الربيع واختار النحاس هذا القول وفيه حديث عن دغفل بن حنظلة عن النبي صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر أقوالاً في أن تشبيه صيامنا بصيام السابقين هو في فرضيته وليس من صفته ولا في مدته.. ومن مراجعة كتب التاريخ وأسفار العهد القديم والجديد رأينا أن قدماء اليهود كانوا لايكتفون في صيامهم بالامتناع عن الطعام والشراب من المساء إلى المساء بل كانوا يمضون الصيام مضطجعين على الحصا والتراب من حزن عميق. وفي سفر الخروج أن موسى عليه السلام كان هناك عند الرب أربعين نهاراً وأربعين ليلة لم يأكل خبزاً ولم يشرب ماءً وفي انجيل متى أن المسيح صام أربعين يوماً من البرية. وجاء في كلام النبي حزقيال أن صيامه كان عن اللحوم وماينتج عن الحيوان، وكان النبي دانيال يمتنع عن اللحوم وعن الاطعمة الشهية مدة ثلاثة أسابيع وجاء في الترجمة السبعينية أن داود قال: ركبتاي ضعفتا من الصوم ولحمي تغير من أكل الزيت. والذين لايدينون بدين سماوي كان عندهم صيام كالبراهمة، والبوذيين في الهند والتبت ومن طقوسهم في نوع منه الامتناع عن تناول أي شيء حتى ابتلاع الريق لمدة أربع وعشرين ساعة وقد يمتد ثلاثة أيام لايتناولون كل يوم إلا قدحاً من الشاي، وكان قساوسة جزيرة كريت في اليونان القديمة لايأكلون طول حياتهم لحماً ولاسمكاً ولاطعاماً مطبوخاً.