تتفاوت نظرة الأديان للصيام تبعًا للفلسفة التي يؤمن بها كل دين والمبادئ التي ينطلق منها.. والذي يتأمل في تشريع الصيام في الديانات المختلفة يمكنه أن يلحظ فلسفة كل دين وسماته العامة من خلال تشريعه للصيام.. * ففي الديانة البرهمية نلحظ أنه لما كانت فلسفتها تقوم على أساس وجوب تخليص الروح من الجسد؛ أصبح الصيام فيها ممارسة الغرض منها إنهاك الجسد وسحقه في سبيل خلاص الروح، ونفس هذه الرؤية نجدها لدى ديانات أخرى كالجينية والمانوية. * وفي الديانة المسيحية المشرع هو البابا؛ وتبعًا لذلك أصبح الصيام لدى المسيحية عبارة عن: شريعة كنائسية تكيفها الكنيسة حسب مقتضيات الزمان والمكان.. وبسبب الرهبانية المتأصلة في الديانة المسيحية نراها تميل نحو الصيام والانقطاع، والانقطاع هو أيضًا شريعة كنسية خاصة يقصد بها عند الكاثوليك الامتناع عن أكل اللحم والألبان والبيض بأنواعه يومي الأربعاء والجمعة من كل أسبوع، وكل أيام الصيام وانقطاعات الميلاد والسيدة مريم ومار وبطرس. وعند الأرثوذكس لا يختلف الصيام كثيراً عما هو عليه عند الكاثوليك فهو في جوهره وسيلة للتأديب الروحي ولتأكيد معاني الرهبانية. وأما البروتسانت فهم مع إيمانهم بالصيام يرفضون الانقطاع عن الحيوان ونتاجه، ويجعلون الصيام منوطًا بالرغبة الفردية، تساوقًا مع نزعتهم التحررية ورفضهم إعطاء البابا حق التشريع. * وفي اليهودية المغرقة في المادية لا نجد للصيام أهمية كبيرة في ذاته، فاليهود لا يفرضون للصيام سوى يوم واحد في السنة: (صيام يوم الغفران). وماعدا ذلك من الصيام هو تطوع لمن يرغب فيه، وأيامه مرتبطة بالمظالم الذي تعرض لها شعب الله المختار أيام شتاته في العالم القديم، فهو يأتي في سياق تأكيد عقدة الاضطهاد لدى اليهود، وتأكيد مشاعر السخط والنقمة على الكوييم (الأميين). * وفي الدين الإسلامي نجد الصيام فريضة ربانية هدفها واضح وجلي وهو تحقيق الاتصاف بصفة التقوى.. ((يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون))، ولعل القرآن أراد بالنص على علة التقوى أن يقطع الطريق على أي تعليل خاطئ للصيام يتنافى مع روح الإسلام ومقاصده وفلسفته العامة.. [email protected]