يراد بالصوم عن العمل: الكف عن العمل؛ لأن الصوم في معناه العام يعني الكف والإمساك، وقد عرف هذا اللون من الصوم لدى القبائل البدائية التي كانت تمارس الصيام ممارسة تجمع بين الإمساك عن الأكل والشرب والصمت واعتزال الناس والكف عن العمل. ومن الأديان التي مارست هذا اللون من الصوم: الديانة (الجينية) انطلاقاً من فلسفتها القائلة بتحريم أي عمل قد يؤدي إلى قتل الكائنات الحية، ولذلك حرمت هذه الديانة العمل في الزراعة؛ لأنه قد يؤدي إلى قتل الحشرات، وأتباع الديانة المخلصون يتوقفون تماماً عن العمل، ولذلك أصبح من المألوف أن يجد المرء جيوشاً من العاطلين من أتباع هذه الديانة يجوبون الأقاليم الهندية، معتمدين في رزقهم على ما يجود به أهل الإحسان! وأشهر من عرف عنهم الصوم عن العمل من أهل الديانات السماوية: اليهود، وأكثر ما عرف عنهم امتناعهم عن العمل في يوم السبت، وفي التوراة: ((كل من عمل عملاً في يوم السبت يقتل))[ الخروج : 31: 16]. وفي التوراة أيضاً أن رجلاً احتطب في يوم السبت فأمر به موسى فأخرجه كل الجماعة إلى خارج المحلة ورجموه حتى الموت! [العدد : 15: 36]. وقد أشار القرآن إلى سبت اليهود بقوله: ((وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا)) [ النساء : 154]. وقص علينا القرآن خبر فتنتهم بالاصطياد في هذا اليوم: ((واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ)) [الأعراف : 163]. ولليهود أيام أخرى يمتنعون فيها عن العمل كاليوم الأول والأخير من عيد الفطير الذي يستغرق سبعة أيام، وكاليوم الخمسين من قربان الحصيد، ويوم تذكار البوق، ويوم الكفارة من عاشر الشهر السابع. وهذا اللون من الصوم لا نجده في الإسلام، فليس من مفاهيم الإسلام ترك العمل على سبيل التعبد؛ لأن مفهوم الإسلام في هذه المسألة هو أن العمل عبادة، وبالتالي لا يمكن أن يكون الكف عن العمل عبادة أو قربة إلى الله؛ ذلك أن الإسلام يعتبر العمل المنتج النافع عبادة إذا صلحت النية. ومن تأكيد الإسلام على قيمة العمل أنه حين أمر بصلاة الجمعة جعل الكف عن مزاولة الأعمال لفترة محدودة تنتهي بأداء الصلاة، وأمر بالعمل والسعي بعد ذلك: ((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ))[الجمعة : 9-10]. [email protected]