من المجدي كثيراً الوقوف على المعنى الاصطلاحي لمفهوم الدولة الاتحادية التي تتسمّى في الآداب العالمية بالفدرالية، حتى يتسنّى لنا معرفة أهمية مثل هذه الدولة في ظل تحديات العصر، فالدولة الاتحادية وإن بدت قائمة على فلسفة واحدة، إلا أنها ليست واحدة في تفاصيلها، فالاتحاد الاميركي ليس كالاتحاد الروسي، والاتحاد الايطالي ليس كالسويسري. غيرأن الجامع المشترك الأعلى في الدول الاتحادية يتمثّل في كونها دولاً مُركّبة تتّسق مع معطيات العصر وتعقيداته، وتفسح المجال للنمو الأُفقي الشامل، وتجعل المواطنة رمزاً للهوية المقرونة بالمشاركة الحقيقية، وتخل بالمراتبية التاريخية الموروثة من الأنظمة الاقطاعية وشبه الاقطاعية، وتجعل الذمة المالية والادارية مقرونة بالوظيفة العامة المحكومة بالنظام والقانون، وتُساعد على انتشار الشفافية والمنافسة بين الاقاليم المكونة لتلك الدولة. بهذا المعنى تسمح الدولة الاتحادية في تمتين اللُّحمة الوطنية، لأنها بببساطة شديدة تقرأ الوحدة من خلال التنوُّع، وتعتبرهما وجهين لعملة واحدة. وعند هذا المربع السحري البهيج يستشعر الجميع بأهمية المواطنة والمشاركة في صنع المستقبل. النقيض للدولة الاتحادية هو ما نراه ماثلاً في كل العالم العربي ما عدا الامارات العربية المتحدة التي أخذت بآلية الدولة الاتحادية اللامركزية، وسمحت بنماء الأفضليات، وكانت ومازالت علامة فارقة في النجاح الاستثناء عربياً. قد يعتقد البعض أن النفط والغاز هو سر تميُّز الامارات، لكن الحقيقة ليست كذلك، فالإمارات ليست أغنى نفطياً من عديد الدول العربية المقيمة في الاحتقانات والبؤس الحياتي، لكنها غنية بنظام الدولة الاتحادية المُركّبة المتناسبة مع مقتضيات العصر والتطور . اليمن بحاجة عاجلة وفورية إلى الانتقال نحو صيغة اتحادية تجمع ولا تفرق، وتسمح باعتلاء منصة العطاء والعمل والمبادرة والمشاركة، مُنطلقة من الخصوصيات التاريخية والجغرافية لأقاليم البلاد المعروفة منذ ما قبل الوحدة . لم يعد في الوقت متسع للُّجاج والجدل البيزنطي الفارغ، فالصيغة الاتحادية اللامركزية الناجزة هي التميمة السحرية للخروج من نفق الأزمة، بل إنها منصة انطلاق للإصلاح الهيكلي الجذري لنظام الدولة البسيطة «القروسطية» التي أرهقت البلاد والعباد. [email protected]