قدمت المبادرة الخليجية ما يمكن تسميته بالمُمْكن السياسي، غير أن هذا المُمْكن السياسي يفتح الباب لتغيير مؤكد، وهنا فرس الرهان، ولا بد من قراءة متروّية لهذا المخطط السياسي الباحث عن فض الاشتباك القائم بين الماضي والمستقبل على قاعدة الانتصار للمستقبل، وبالتالي استيعاب التسلسل المنطقي لآلية التغيير التي تبدأ بالمفهوم وتجد طريقها في الممارسة الفعلية المقرونة بإكراهات الإبحار عبر درب طويل من الكفاح العاقل. وبهذا المعنى أفهم المبادرة الخليجية بوصفها الخيار المتاح من جهة، والخيار المنطقي من جهة أُخرى، والشاهد أننا ونحن على أعتاب التوافقية السياسية في طورها الجنيني الملغوم بكل ثقافة الماضي القريب السيئة .. نجد أننا وبالرغم من ذلك نتوفّر على ومضات وعناصر تصب في مجرى الذهاب الى الانعطافة التغييرية القادمة بقوة دفعها الخاصة، فالتضحيات الجسام التي قدمها الشعب على مدى عقود من الصراعات العدمية والمركزية السياسية الاتوقراطية، والإدارة بالأزمة.. كان لا بد لهذه الحالة من أن تأتي بنتائج تتناسب مع مقدماتها، وهذا ما حدث ويحدث عملياً، بالرغم من أنين التحوُّل وضبابية الرؤية، بل وتربص أمراء الحرب المدججين بنياشين الدولة وألقابها بالمستقبل وضروراته. المبادرة ليست برنامجاً لحلول تطال بنية الدولة ومرجعياتها القانونية والإدارية والتنموية، ولكنها تمثل عتبة خروج من نفق التصادم غير الحميد من جهة، كما تمثل منصة واسعة لاجتهاد واشتغال النخب السياسية والثقافية والاقتصادية والعلمية لبلورة ملامح الطريق القادم. وبهذا المعنى لا أعتبر المبادرة برنامج عمل شامل للدولة الخارجة من أحشاء الأنين والألم، بل نقطة انطلاق لوضع هذا البرنامج الذي يستند إلى كامل الأدبيات المسطورة في دولة ما بعد مايو، التي كان يفترض أن تكون وحدوية من خلال توسيع قاعدة المشاركة، وتحقيق المواطنة القانونية المترفّعة على تقاليد الماضي البائس، والشروع في التنمية، استناداً إلى منطق الدولة العصرية المركّبة اللا مركزية التي مداها الصيغة الإتحادية الفيدرالية ذات الخصائص اليمنية، تماماً مثل كل الدول الفيدرالية في العالم والتي تتموضع أساساً في مربع الخصوصية الموروثة من التاريخ والجغرافيا. بدلاً من هذه الخيارات السويّة سارت الدولة على درب إعادة إنتاج تلك الشروط التي استنفدت أغراضها، وأصبحت عائقاً أمام التنمية والتطوير الحقيقي الذي يستهدف الإنسان أولاً وثانياً. [email protected]