على الرغم من أن اتفاقية الوفاق الأخيرة هشة في أساسها ومعقدة في فحواها، فإن جميع الأطراف المتخاصمة قد وافقت عليها سواء المؤتمر الشعبي العام أو أحزاب اللقاء المشترك، ولم يعترض عليها إلا أقلية من الرافضين ذوي العلاقة بالمليشيات المحاربة، إلا أن الأحزاب البرلمانية أبدت استعدادها للعمل على إنجاحها. ومن المفيد بالنسبة للقارئ أن يتم وضع هذا الصراع في الإطار الزمني، فقد كان هذا الصراع مستمراً بأشكال عدة بين الفرقاء، منذ قيام ثورة 26 سبتمبر، مروراً بقيام الوحدة وحرب 94، وانتهاء بحرب الحوثيين. ومن المهم تصحيح مفهوم شائع ولكنه مغلوط؛ فالبعض يعتقد أن الصراع مجرد نزاع مناهض للفساد بين الرئيس علي عبدالله صالح ومن ذهب إلى الضفة الأخرى، وعلى نفس السياق فإن الصراع في اليمن لم يكن شبيهاً بما جرى في تونس أو مصر أو ليبيا أو حتى سوريا، إنه صراع بين قوى أذعنت للحوار وأخرى رفضته، تدخلت في ذلك قوى خارجية، ومع ذلك فإن المفتاح للسلام أو التوافق لا يرتبط بتشكيل حكومة وفاق وطني فحسب؛ لأن الرئيس صالح كان على استعداد لتقاسم السلطة وإجراء انتخابات مبكرة. يكمن مفتاح إحلال السلام في اليمن في إقامة تسوية حقيقية بين كل القوى ورضوخ الجميع للنظام والقانون. وإذا أصبح من الممكن الإبقاء على المبادرة الخليجية فإنها ستعتبر تغييراً حاسماً، ليس من أجل أحزاب اللقاء المشترك، بل من أجل كل القوى السياسية بما فيها الحوثيون في الشمال والحراك في الجنوب. ولست بحاجة للقول: إن المبادرة الخليجية قد تواجه تحديات، بل وربما تتعثر في مسيرتها، ولكن من المستحيل إفشالها، ومهما كانت نتائج هذه الاتفاقية فقد وضعت خطاً يؤكد بشكل ما على شرعية العداوة داخل القوى السياسية، وعند حدوث أي خلاف في المستقبل فإن الفرقاء سيعودون إلى هذه الاتفاقية التي يعود الفضل في توقيعها إلى الرئيس صالح والساسة الآخرين، وإلى التبصر الواعي لتأثيرات الضجر والرعب والإرهاب الذي انتاب المجتمع اليمني. والواقع أن الاتفاقية قد أنجزت من خلال القنوات السياسية في أفضل حالاتها، أي عن طريق الضغط والتفاوض والإغراء والصبر الطويل، ومثلما قيل عن أحداث اتفاقيات أخرى، فقد جاءت النهاية هنا بتعادل أطراف الأزمة. لقد ساد العنف أكثر المدن اليمنية، وكان من السهل تفكيك وتشويه الحركات الاجتماعية التي كانت تعبر عن الأهداف العامة، وما يمكن حدوثه الآن نتيجة لهذا الاتفاق الجديد، أو ما يمكن أن يتم هو إقامة علاقة أكثر تعقلاً وثراء وأقل عدوانية، وإسقاط فكرة الثورة المزعومة التي دعا اليدومي إلى اللحاق بركبها، بالرغم من أن حزبه موقع على المبادرة الخليجية، ما يمكن قوله: إن بعض الأفراد وبعض القوى السياسية مازالت سجينة للوهم الذي كانت نتيجته تفضيل قعقعة السلاح على ما تفرزه صناديق الاقتراع كرمز للشرعية. هل أستطيع القول: إن الذين مازالوا يرفعون شعار الثورة حتى هذه اللحظة إنهم لا يكنون أي احترام للديمقراطية، والسؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كان هؤلاء على استعداد الآن لقبول قيود اللعبة الديمقراطية أم لا؟. علينا أن ننظر إلى الاتفاقية، ليس في السياق اليمني فقط، بل وفي السياق الدولي الأوسع، لقد لعبت العوامل الإقليمية والدولية دوراً مهماً في تغيير المواقف، كما أن الأمين العام للأمم المتحدة قدم أفضل شخصية للمحادثات، وهو جمال بن عمر، الذي يتمتع بحساسية شديدة تجاه الأطراف المتصارعة. على القوى السياسية جمعيها أن تدرك أن النكوص على هذه الاتفاقية غير ممكن؛ لأن العالم يتجه نحو العولمة ونحو التسامح، إضافة إلى ذلك فإن النزاع على السلطة قد أوصل المجتمع اليمني إلى درجات شديدة من الدموية، كما أن أمثلة مشابهة تجعل هذه القوى تراجع نفسها، وهو ما جرى ويجري في مصر وليبيا وسوريا، فإن هذه البلدان لم تصل بعد إلى حلول. لقد قدمت اليمن صورة مختلفة ينبغي التمسك بها، ووضع السلاح جانباً وإحلال السلام والأمن والطمأنينة. وإذا كانت هذه الاتفاقية - التي تم التوصل إليها - طارئة ونتيجة للعمل السياسي، فإن النتائج ستكون طويلة المدى، وقد زاد الأمل بعد النسبة الكبيرة للناخبين اليمنيين الذين خرجوا للتصويت لمرشح الرئاسة التوافقي عبدربه منصور. لقد كانت الانتخابات موافقة صريحة وهائلة, وستأتي لاحقاً الانتخابات التنافسية والتطورات الدستورية، ويجب على البعض ألا يستقي الصورة الزائفة لما يسمى بالربيع العربي!!.