يالها من قاعدة راسخة ، بنيت على أسس قويمة وعظيمة بدايتها في الثرى وارتفاعها في الثريا، ويالها من دولة أنشأها النبي (ص) واستمرت تحت مسمى الخلافة في الفترات الأموية والعباسية مهتمة بالعلوم والمدنية والنواحي الدينية.. وما أجمل الدولة القائمة على بناء صحيح! إنها الدولة الإسلامية ذات الحضارة العريقة التي تمزج بين العقل والروح ولا نستطيع الإحاطة بجميع محتوياتها في مساحة متواضعة، ولا تقوم دولة إلا ومصدرها الرئيس هو الإسلام ولا تنهض أمة بدولتها إلا وقواعد وأسس الإسلام نصب أعينها وإلا ستعد دولة فاشلة. ومادمنا في مرحلة بناء لابد أن نعلم أركان وقواعد هذه الدولة الإسلامية وأنظمتها ومراتبها ولو بنوع من الإيجاز مع ما يتماشى مع الواقع المنشود والمستقبل المأمول وخاصة الواقع اليمني. إن الدولة الحقيقية التي مصدرها الدين الإسلامي الحنيف لابد أن تكون لها أنظمة وأركان عدة لتقوم عليها، وأهمها النظام السياسي القائم على الأهداف والوسائل والقادة والبرامج والخطط التي تتماشى مع الواقع وحدود الشرع بما تحفظ الدين والنفس والمال والنسل والعقل تحت إطار (كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته) وثاني هذا النظام نظام الشورى القائم على تبادل الآراء بين كل طوائف المجتمع، الشاملة لهم، وهذا النظام يراعي أهل الاختصاص المشهود لهم بالكفاءة والأمانة في كل أمر مصداقاً لقوله تعالى: «وأمرهم شورى بينهم» و«وشاورهم في الأمر».. وبموجب الشورى تميز الخبيث من الطيب وبنيت الدولة الإسلامية حق البناء، وخاصة في عهده (ص)، ومن هذه الأنظمة نظام القضاء العادل الذي بنيت عليه الدولة الإسلامية الأولى، فبه تم تنفيذ حكم الله والحكم بما أنزل الله، وبه نفذت الأحكام الدينية أو الشخصية، وبه أُخذ حق المظلوم من الظالم، وبه تم اختيار القاضي العادل المؤهل للقضاء وغيرها. ومن الأنظمة كذلك كما تشير السِّيَر نظام التعليم والإعلام القائم على بناء الفرد وذلك بتربيته على الإيمان بالله والتسليم لحكمه وسياسته بتعاليم الكتاب والسنة، فالقرآن هدى والرسول هو الأسوة ويجب تطبيق شرع الله كاملاً، وتمثلت قواعد بناء الفرد بالحرية والتربية والتعليم والتدريب واستخدم الإسلام رسالة الأذان كرسالة إعلامية تبين كليات الإسلام. كما أن دولة الإسلام قامت على نظام آخر هو نظام الأمن المتمثل بالجيش الذي قاد المعارك وفتح الفتوحات الإسلامية بتوجيه من الإمارة الإسلامية المستمدة تعاليمها من الإسلام. ويعد النظر إلى فئات الأمة من الأنظمة التي ركز عليها الإسلام وقامت عليه الدولة الإسلامية وذلك يتضح جلياً من حق المواطنة بضمان القرآن الكريم لغير المسلمين حرية العقيدة بقوله تعالى: «لا إكراه في الدين»، «وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر».. كما كفل لهم الإسلام حرية العبادة وحماية دور العبادة وغيرها.. إضافة إلى توفير الضروريات التي تقوم عليها حياة الفرد والجماعة، وتوفير الحاجيات التي تتيسر بها المعيشة، إضافة إلى الأنشطة الزراعية والاقتصادية وغيرها. فمن خلال هذه الأنظمة نستنتج أن الدولة الإسلامية دولة مدنية تنطلق من دولة القانون والمؤسسات القائمة على بشرية الحاكم وعدم قداسته، وأن الشعب هو مصدر السلطات وحرية الرأي والشورى والفصل بين السلطات والتمثيل النيابي مع توافر حق المواطنة، وأن ذلك مبني على الحكم بما أنزل الله في إطار شعب أو رعية يحتويهم وطن أو أرض أو دار تحت قيادة حكيمة متمثلة بولي الأمر. وعليه فإن الواقع اليمني المنشود يجب أن تكون تلك الأنظمة والأركان أساسه المتين، فإذا اختل منها ركن ستختل معه بقية الأركان، لأنها منظومة متكاملة، وذلك يعود إلى قضاء الله وقدره في هذا الكون، إذ قال سبحانه وتعالى: «قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير». إن الواقع المنشود يحتاج إلى قيادة حكيمة قائمة على الشورى والأمانة وقضاء مستقل وإعلام موجه وتربية وتعليم سليم وأمن وأمان مع الاعتراف بحقوق المواطنة وعلى مراتب سامية متمثلة في قوله تعالى: «والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون، وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله، إنه لايحب الظالمين، ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل»، مع العلم أن الصبر والغفران من عزائم الأمور كما قال سبحانه وتعالى: «ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور» وما أكثر ما نحتاجه في واقع أليم ومجتمع أنهك بالأزمات والإقصاء طوال قرون. إن ثورات الربيع العربي أثبتت بما لايدع مجالاً للشك أن الصحوة الإسلامية قادمة, وبأنها أسست لدولة مدنية دينية مستمدة تعاليمها من روح الإسلام الحنيف, ولم يتبقَّ إلا التشييد والبناء بتكاتف جميع أبناء المجتمع وخاصة المجتمع اليمني بكل فئاته, مستشعرين نتيجة ذلك وهو وعد الله تعالى لهم بالاستخلاف في الأرض والتمكين الديني وتبديلهم الأمن بعد الخوف. Salah iz [email protected]