كان الطبيب اليوناني (جورج نيكولاوس بابانيكولاو 1883 – 1962) المقيم في نيويورك يكرر على زوجته هذا السؤال، هل يمكن معرفة السرطان، وإلقاء القبض عليه متلبساً بالجريمة، مقتحماً البيت مثل اللص المتسلل فيكشف في جنح الظلام قبل أن يضرب ضربته فيسرق وينكب؟. قال هذا لأن عمله الأساسي كان في التشريح ودراسة الأنسجة ومعرفة الخبيث منها من السليم. شجعته زوجته مرتين منها أن يقوم بالتجربة عليها شخصياً طالما كانت التجربة لا تزيد عن أخذ لطاخة بسيطة من عنق الرحم ونسيج جدار المهبل. هكذا يتقدم العلم بالتجربة الذاتية، وأحياناً يدفع العالم الثمن من حياته كما حصل مع فرانسيس بيكون في تجاربه على الدجاج، وأنه يمكن أن يبقى اللحم طازجاً إذا وضع في درجة تجمد معينة. وفي ظروف التجميد والبرد ضربه البرد بلسعة قاضية فالتهبت رئته، وليس ثمة صادات حيوية من نوع الأريثرومايسين، فقضى نحبه بالتجربة. وكما قام نيكولاو ولمدة 21 سنة بالتجربة على زوجته فقد قام فيرشوف بالتجربة على نفسه بابتلاع جرعة من الجراثيم أمام تلاميذه ليقول لهم المرض ليس من الجرثوم بل انهيار جهاز المناعة. وهو قانون فعلي حتى في المستوى النفسي الاجتماعي. كذلك كان (فيرنر فورسمان) أول من طبق تجربة القثطرة القلبية على نفسه حتى يطبقها لاحقاً على المرضى. نيكولاو اليوناني الأصل جمع كما هائلا من التجارب على الحيوانات ثم تقدم بها إلى المؤتمر العالمي في مشيجان عام 1928 ولكن الناس كانوا بين متفرج وساخر ومتهكم وغير مكترث. ابتلع الإهانة وتابع أبحاثه دون ملل وإحباط ثم تقدم إلى مؤتمر جديد ولكن بعد 13 سنة عام 1948م فأثبت عمله واعترف له الجو العلمي بالأستاذية وأصبحت طريقة بابا نيكولاو في الكشف المبكر عن سرطان عنق الرحم في متناول اليد وبفحص بسيط لايزيد عن مسحة بسيطة من الغشاء المخاطي من أنسجة المهبل وعنق الرحم. أقول هذا لأنني أعرف من الوسط حولي من يهمل أقل من هذا فقد نزفت سيدة وبقيت سنتين تخجل من الكشف النسائي على نفسها ليكتشفوا لاحقاً سرطاناً متقدماً في عنق الرحم وتخضع لجراحة كبيرة ومتابعة دؤوبة لصيد بقايا السرطان. لقد كان في قصصهم وعملهم عبرة «لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد».