الفنانة الإماراتية نجاة حسن مكي لا تستكين للجاهز المألوف ولا تقبل بتكرار تجاربها في أكثر من معرض، الأمر الذي لايمكن تفسيره خارج الدأب والانتاج المستمرين، والموصول في آن واحد برؤية واستسبارات ثقافية مؤكدة، وهي الفنانة التي لم تكتف بترويض التجربة وتصعيدها، بل لاحقتها بالمعارف وصولاً إلى نيل الدكتوراه كشهادة لا قيمة لها خارج المعرفة المستمرة والتجريب الدائم. منذ انطلاقتها المبكرة قبل عقدين من الزمان غاصت الفنانة نجاة حسن مكي في شفرات الفنون الشعبية المرتبطة بالأجواء النسائية، وتحديداً ذلك العالم السحري لفنون الزخارف والرقش والنمنمات الذي يستبطن خفايا المرأة وجمالياتها، فيما يُعيد تأكيد نزعة جمالية تتصل بعوالم خفيّة وأخفى. المرأة بهذا المعنى ليست مستودعاً لعوالم شكلانية جميلة بهيجة، بل إنها أيضاً مستودع أسرار روحية تضفي على اللمسة العابرة معاني وأبعاداً شاملة . ليست الزخارف والنمنمات والرقش هنا مجرد استدعاء للأنساق الجمالية الإبداعية العامّية naivism أو الشعبية فقط، بل إنها موسيقى وجودية تتصل بفنون الغناء والأفراح والحرف والحيوات اليومية للمرأة الصادرة من بحار الزرقة وأقواس قزح الشتائية، المقيمة في لطائف البخور والعطور، الصابرة على غياب رفيق الحياة في رحلات الضنى البحرية الطويلة. تُصبح الزخارف هنا شكلاً من أشكال التداعي الحر، ضمن آفاق نسقية جمالية لا تتنازل عن التكوينات المفتوحة، والأمشاج المتصلة بعناصر الزمان والمكان، فالفراغات كالتلال الصحراوية المُتكسّرة، وأوراق النباتات المتناثرة في الفلاة معين لترميزات مُمْعنة في الايقاع البصري، والتزاحمات في الرقش كبحارت الأيام التي على مدها وجزرها الدائم. لهذا السبب بالذات نلاحظ الحضور الاستثنائي للأزرق وظلاله الخضراء والصفراء، وكأن البهاء سيد الموقف في تلك الأعمال الأولى للفنانة.. تلك الأعمال التي تتسم بقدر واضح من التصوير المنطلق صوب البحث عن أُسلوبية تعيد إنتاج الخصوصية ضمن توليفة للأنا المبدعة الانتمائية بالضرورة. وجدت الفنانة نفسها أمام تكوينات وتموجات لا يسعهما اللوح التقليدي فتجاوزت الأحجام المألوفة استجابةً للضرورة الفنية، ولم تتوقف عند تخوم الإطار الخشبي المألوف، بل أسهمت بقدر وافر من الأعمال الكبيرة، كأنها تريد أن توسع في البصروالبصيرة، للترحّل في التيمات الغنائية والتجريدية في آن واحد . [email protected]